ومنها : إنّه (ص) سنّ بذلك دستورا جميلا ، ومنهاجا عاليا ، لن يأتي بعده ليسير عليه كل من عرض له مثل ما عرض له (ص).
ولهذا وأضعاف أمثاله جنح للسلم والمصالحة ويقول القرآن في سورة الأنفال آية ٦١ : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) لذا ترون عليّا (ع) ترك قتلهم وقتالهم مقتديا بالنبي (ص) ، ومتّبعا له في شرعه ومنهاجه ، فلم يقاتل دافعيه عن حقّه لمقاصد سامية أعظمها كما قدمنا حفظ الدين بأصوله ، وفروعه ، وقوانينه ، وآثاره ، الأمر الذي كان يدعوه كثيرا إلى أن يقدم نفسه الزكية قربانا في سبيل حفظه وبقائه واستمراره وانتشاره ، فضلا عن حقّه وتراثه.
وبالجملة كانت رعايته (ع) لصيانة الدين وحفظه أكثر من رعايته لحقّه ، وكان ضياع حقّه عنده أهون عليه من ذهاب الدين وزواله ، وما فعله عليهالسلام هو الواجب عقلا وشرعا إذ إنّ مراعاة الأهمّ وهو احتفاظه بالأمّة ، وحياطته على الملّة ، وتقديمه على المهمّ ، وهو احتفاظه بحقّه (عند التعارض) من الواجب الضروري في الدين الإسلامي فجنوحه للسلم والموادعة كان هو الأظهر في الصواب.