ويكاد يزول معه فهمه ، ويضطرب فيه قلبه ، فترى السّاعي منهم يبذل أقصى ما لديه من جهد وطاقة ، في سبيل وصوله إلى غايته المنشودة من التبصّر ، والحصول على البصيرة في دينه الحق ، فإمّا أن يهلك دون الوصول إليه ، أو يناله بعد نصب وتعب شديدين مجهدين.
وبعد هذا كلّه أليس من الظلم الواضح أن تحكموا بتفضيل أولئك الذين زعمتم أنّهم خير القرون فيما ارتكبوه وفعلوه على هؤلاء الذين استبصروا في دينهم الحق بالأخبار المتضادة ، والأقاويل المتضاربة ، ولم تصل إليهم البيّنات الشافية ، والبراهين الكافية ، كما كان ذلك كلّه حاصلا لأولئك الأوائل في دينهم ببيان النبي (ص) المرسل لهم ما يزول معه كل شكوكهم ، ويحلّ محلّها اليقين.
أو ليس من الحقيق على الله تعالى وهو العدل الحكيم أن يوجب لمستبصري أهل العصور المتأخرة في دينهم على ما حققناه من حالاتهم ، أضعاف ما يوجبه لأولئك المستبصرين في الدين على عهد سيد النبيين صلىاللهعليهوآله أجمعين؟ ولا يمنع ذلك إلّا من فاته أن يدنو من روح الدين ، أو لم يكن من المعرفة به على شيء ، ويؤكّد لكم ذلك كلّه ما تقدم من الأحاديث وقوله تعالى في سورة الحجرات آية ١٣ : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ، ولم يقل إنّ أكرمكم عند الله تعالى أصحاب نبيّكم ، ولما قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) علمنا أنّ حال الصحابي كحال غيره من الناس ، لا يثبت إيمانه إلّا ببرهان ، ولا تقواه إلّا بحجة ، ولا عدالته إلّا ببيّنة عادلة ، ومن قال غير هذا فيهم كما مرّ فقد خالف الله تعالى ورسوله (ص) وأفرط في غلوه فيهم.
* * *