أَيْنَ ما كانُوا) فهذه المعية كما ترونها لا تدلّ على فضيلة خاصة تميّزه عن غيره من أصحاب النبي (ص).
ثمّ إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل إنّ حزن الخليفة أبي بكر (رض) كان طاعة لله تعالى أو لا؟ وذلك فإنّه لا يخلو من أن يكون واجبا أو مستحبّا ، أو مكروها ، أو مباحا ، أو حراما على سبيل منع الخلو.
فإن قلتم كان واجبا. فيقال لكم : كيف يا ترى يصحّ لمسلم أن يقول إنّ رسول الله (ص) ينهي عن طاعة الله تعالى ويحرّم ما كان واجبا في دينه (ص) وهو يقول على ما أخبر الله تعالى في كتابه لصاحبه (لا تَحْزَنْ!) ، وهو (ص) أشدّ الناس حرصا على طاعته تعالى وطاعة الناس له تعالى؟.
وإن قلتم : كان حزنه (رض) مستحبا مندوبا إليه : فهو كسابقه في البطلان فإنّه لا يجوز لمن له دين أن ينسب إلى النبي (ص) النهي عمّا أحبّه الله تعالى والناس إليه.
وإن قلتم : كان حزنه مكروها فيقال لكم : إن كانت الكراهة بمعنى أنّه مبغوض في الشريعة كان داخلا في الشقّ الأخير وهو كونه حراما ، وإن كانت بالمعنى المصطلح عليه بين الفقهاء من أنّه ما كان منهيا عنه وغير ممنوع من تركه ، فلا فضل فيه ولا ثواب.
وإن قلتم كان حزنه مباحا ، لزمكم أن تقولوا : إنّ رسول الله (ص) ينهى عن المباح في شريعته ويحرّم ما جاء بإباحته للعباد وذلك لا يجوز نسبته إلى النبي (ص) في حال من الأحوال ، ومن نسب إليه ذلك كلّه فقد طعن في نبوّته (ص) ودينه ، وهو الكفر بعينه.
ولم يبق إلّا الشق الخامس وهو أنّ حزنه (رض) كان حراما وأنتم تعلمون أنّ المرء لا يستحقّ المدح والثناء على فعل الحرام.