وقال تعالى في سورة سبأ آية ٤٦ : (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) فأضافهم إلى صحبة نبيّه (ص) وهم مشركون فلم يوجب لهم فضلا ، ولا إيمانا ، كما لم يوجب لهم ذمّا ولا تحقيرا.
وقد ثبت في علم المعاني أنّ إضافته (ص) إليهم بذكر الصحبة أوكد في معناها من إضافة الخليفة أبي بكر (رض) إليه (ص) بها ، لأنّ المضاف إليه أقوى في السبب من المضاف على ما اتّفق عليه العلماء من أهل هذا الفن بين الفريقين. وقد يكون الصاحب حمارا ، وفيه يقول أميّة بن أبي الصلت :
إنّ الحمار مع الحمار مطية |
|
فإذا خلوت به فبئس الصاحب |
وقد يكون الصاحب جمادا وفيه يقول الشاعر العربي :
زرت هند وذاك بعد اجتناب |
|
ومعي صاحب كتوم اللسان |
فإنّه يريد بذلك سيفه ، فسماه صاحبا له.
وإنّما سقنا لكم هذه الشواهد والمشاهد من موارد استعمال الصاحب عند العرب ، لتعلموا : أن لفظة الصاحب لا تشعر بشيء من المدح ، كما لا يوجب لصاحبه الذمّ ، وإنّ صحبة الخليفة أبي بكر (رض) رسول الله (ص) في سفره (ص) ، ونزوله (ص) في الغار ، لا توجب لصاحبه فضيلة خاصّة ولا منقبة مخصوصة.
وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) فقد يراد به الواحد تعظيما له وهو النبي (ص) خاصّة وقد يراد به الجماعة. ومع هذا الاختلاف في استعمالها لا يقتضي فضلا خاصّا لا سيما إذا علمتم أنّ الله تعالى مع المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والقرآن يقرّر هذا ويؤكّده بقوله تعالى في سورة المجادلة آية ٧ : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ،