السنة ، ولو كان يريد كونه ثانيا في الفضيلة ، لزم أن يكون النبي (ص) ثاني اثنين أبي بكر (رض) في الشرف والفضل ، وأن أبا بكر (رض) أفضل منه (ص) وهو الكفر بعينه.
وأمّا قوله تعالى : (إِذْ هُما فِي الْغارِ) فليس فيه إلّا الإخبار عن اجتماعهما في المكان الذي كان يومئذ هو الغار ، وهذا كسابقه يتحقق بين المؤمن وغيره ، والكامل والناقص ، والحيوان ، والجماد ، والإنسان والبهيمة ، وقد ضمّ مسجد النبي (ص) الذي هو أشرف من الغار على كل حال المؤمنين الأخيار ، والمنافقين الفجّار ، وفي القرآن يقول الله تعالى لنبيّه (ص) في سورة المعارج آية ٣٦ وما بعدها : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ* عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ).
وقد اجتمع في سفينة نبي الله تعالى نوح (ع) البهائم وأهل الإيمان من الناس ، فلم يدلّ ذلك على شيء من الفضيلة ، بل كان رسول الله (ص) يجتمع مع أبي جهل وغيره من المشركين ، وليس معنى هذا ثبوت فضيلة لأبي جهل وغيره من المشركين لأجل اجتماعه (ص) معهم في مكان واحد.
وأمّا قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ : لا تَحْزَنْ) فيدل على مجرّد الصحبة وهي لا دلالة فيها على أية فضيلة تميّزه عن غيره (رض) من أصحابه (ص) ، لأنّ الصحبة قد تكون بين المؤمن وغيره ، كما تكون بين الإنسان وغيره ، وقد يكون الصاحب برّا ، تقيا وقد يكون صبيا وطفلا ، وقد يكون حيوانا ، أو جمادا ، فليست الصحبة من حيث هي من صفات المدح ، ولا من صفات الذم حتى توجب الفضل ، أو النقص لصاحبه.
وقال تعالى في سورة التكوير آية ٢٢ مخاطبا مشركي قريش حينما بهتوا نبيّه (ص) وادّعوا عليه الجنون : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).