عالجه في تدبيره له بالتشجيع ، وتلافي ما وقع منه لشدّة ما لحقه من الحزن ، على ما حكاه الله تعالى في القرآن بقوله تعالى : (لا تَحْزَنْ! إِنَّ اللهَ مَعَنا) ونقله السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) وغيره من مفسّري أهل السنّة في تفسير الآية وإنّه (رض) حزن ثلاثا ، والنبي (ص) نهاه عن ذلك ثلاثا.
ثالثا : لو فرضنا لكم تنازلا أنّه (رض) كان أنيسا لرسول الله (ص) في الغار ، ومع ذلك فإنّه لا يوجب له فضيلة خاصّة ، لأنّ الأنيس قد يكون مؤمنا ، برّا ، تقيا ، وقد يكون غيره ، وربما كان من البهائم والحيوانات أو المظاهر الطبيعية كالأشجار ، والأنهار الجارية ، والجبال المخضرة ، والأودية المكسوة بالثلوج ، ألا ترون أنّ الإنسان قد يأنس بمن لا يدين بدينه ، وقد يستوحش بمن يوافقه في دينه ، وربما أنس بعبده ، وخادمه وأن لم يكونا مسلمين أكثر من أنسه بالعالم الفقيه ، وقد يأنس بزوجته أكثر من أنسه بأمّه وبأولاده أكثر من أبيه ، ويأنس بالأجنبي أكثر من أنسه بأخيه ، وابن عمّه ، وربما يرى أنسه بفرسه وبعيره أولى من أنسه بصديقه ، وهلم جرّا. فإذا كان الأمر على ما حققناه لم يثبت للخليفة أبي بكر (رض) بالأنس به ما يميزه (رض) عن غيره لو سلمناه لكم ولم نحكم ببطلانه على ما تقدم منا بيانه.
رابعا : إنّ قوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) لا يدلّ على أكثر من الإخبار عن العدد ، وإنّ الذي كان في الغار لا يزيد على اثنين ، ولا ثالث لهما ، وقد يكون المؤمن ثانيا في سفره لغير المؤمن ، أو يكون ثانيا لجاهل ، أو عالم ، أو صالح ، أو طالح ، وهذا ما لا يمكن لأحد من أهل العقل أن يشك فيه ، كما أنّ فيه بيانا لحال النبي (ص) باعتبار دخوله (ص) ثانيا ودخول أبي بكر (رض) أولا على ما نطقت به الأخبار ، وحكاه كل من جاء على تفسيره من مفسّري القرآن عند أهل