وجرأة ، مسرفة ، في مجابهته (ص) ، رأوا أنّ من أقوى الأساليب ، وأمتن الوسائل الموجبة لمنعه عن ذلك الأمر الذي يقول (ص) فيه : «دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» أن يقولوا فيه ذلك القول الخشن ، بلا تدبّر ، ولا روية.
هذا وهو لا يزال (ص) حيّا بين ظهرانيهم ، فكيف يكون حالهم من الاختلاف والتنازع بعد وفاته (ص)؟ لذا رأى (ص) أن من حسن تدبيره (ص) لهم ، ورعايته لشئونهم أن يضرب الصفح عن ذلك الكتاب ، خوفا من وقوع الفتنة ، وحفظا لكيان الدين ، وصيانة لدماء المسلمين ، واحتياطا على نصوصه في خلافة علي وبنيه (ع) من بعده ، لئلا تصبح غرضا لنبال الشكّ ، وهدفا لسهام الطعن والتشكيك ، من المعارضين.
وإن قلتم : كما قال غيركم إنّه أراد بالكتاب أن يكتب الخلافة لأبي بكر (رض) ويعهد بأمر الإمامة إليه (رض) فيقال لكم لو جاز أن يكتب الخلافة لأبي بكر (رض) ويعهد بالإمامة إليه لما نسي الراوي الوصية الثالثة ولا منعه القوم من كتابته ، ولما أسرعوا إلى السقيفة لعقد البيعة له (ص) ، تنفيذا لما تعاقدوا عليه من قبل على أن يكون هذا الأمر فيهم لا في أهل بيت نبيّهم (ص) ، ولكن سبق النصّ على عليّ (ع) يوم (الغدير) الذي كان على مرأى منهم ومشهد ، كان من الأدلّة الواضحة عندهم ، على أنّه (ص) كان يريد بالكتاب تجديد العهد والوصية لعلي وبنيه (ع) الطاهرين ، ويؤكّد عليهم الحجّة ، ففهموا ذلك ، وأبوا عليه (ص) تحقيقه ، فقالوا فيه (ص) تلك الكلمة الكزّة ، ولأنّ الذي يضرّهم كما قلنا هو كتابة الخلافة لعلي وبنيه (ع) دون غيره.
ويؤكّد لكم ذلك كلّه ما سجّله ابن أبي الحديد في (شرح نهج