أو (مغلوب للوجع) فهو يتكلم بكلام المرضى المحمومين الذي هو الهذيان والهذر ، وحينئذ تكون خلافة علي وبنيه الطاهرين من البيت النبوي (ص) الثابتة بالنصوص القولية القطعية موضعا للشكّ ، وموردا للطعن ، بل لا يبقى أثر لكتابة ذلك الكتاب سوى توسعة شقّة الخلاف ، واللغط بينهم ، على حدّ قول ابن عباس بل لا يؤمن من وقوع الفتنة من بعده في أنّه (ص) هل هجر (والعياذ بالله) فيما كتب ، أو لم يهجر؟ كما تنازعوا وأكثروا من الاختلاف واللغط بحضرته (ص) ، وفي آخر أيّام حياته (ص) ، فلم يتسنّى له (ص) يومئذ أكثر من أن يقول : «قوموا عنّي فلا ينبغي عندي تنازع» بل لو أصرّ ، على كتابته لأصرّوا على قولهم هجر ، وأكثروا في إشاعته ونشره ، ولتوسّع أتباعهم في إثبات هجره (ص) ، فسطروا الأساطير ، وملئوا الطوامير ردّا منهم على ذلك الكتاب ، وإسقاطهم له من الحساب ، وعن درجة الاعتبار لذلك كلّه اقتضت حكمته البالغة أن يعدل عن كتابته لئلا ينفسح المجال لأولئك المعارضين وأشياعهم إلى الطعن في نبوّته ، فيذهب الدين من أصله ، لا سيّما وهو (ص) يعلم أنّ عليّا (ع) وأشياعه خاضعون لمدلول ذلك الكتاب ، وأنّه يستهدف به أمر الخلافة ، وأنّه (ص) يريد أن يجعلها في علي والأئمة الأحد عشر من أبنائه الطاهرين بنصّ ذلك الكتاب ، تأكيدا لنصّه عليهم يوم الغدير ، وفي حديث الثقلين ، والنجوم ، والسفينة ، وغيرها المتقدم تفصيلها ، سواء عندهم أكتبه أم لم يكتبه.
وإنّ المعارضين له (ص) لا يعلمون به ، ولا يعتبرونه حتى لو كتبه (ص) وجملة القول لما كان كتابة الكتاب ممّا يضرّ بصالح القوم ، وموجبا لحلّ ما أبرموه من العهود والمواثيق ، على أن يكون أمر الخلافة فيهم لا في أهل بيت النبي (ص) ، وأن منع النبي (ص) من كتابة الخلافة لعلي وبنيه (ع) ، يحتاج إلى وثبة جبارة ، وصلابة شديدة ،