ثامنا : لو كان لأبي بكر (رض) إنفاق على رسول الله (ص) كما يدّعون لنزل بمدحه القرآن ، فمن حيث خلو كتاب الله من ذلك بالإجماع من الشيعة وأهل السنّة ، مع ثبوت نزوله في غيره على اليسير من الإنفاق بالاتّفاق ، نستشرف على القطع واليقين بأنّه لا إنفاق له (رض) عليه (ص) لا سيما أنّكم تعلمون بأنّ الله عادل كريم لا يشيد بذكر القليل من الطاعة له على وجه الخلوص ، ويكتم الكثير ، وينوّه بالصغير ، ويمدح عليه ، ويهمل المدح على الكثير.
تاسعا : إنّكم تعلمون كما يعلم الناس أنّ إنفاق الصحابة على النبي (ص) إنّما كانت في السلاح ، والكراع ، والإعانة على الجهاد ، ووصل الفقراء من المسلمين ، وسدّ إعواز الأرامل والمساكين من المهاجرين.
وأمّا النبي (ص) فإنّه لم يطلب الوصل من أحد لنفسه (ص) ، ولم يجعل عليه قسما من المئونة لذاته الطاهرة (ص) ، ولا أراد منهم شيئا لأهله وعشيرته (ص) ، لأنّ الله تعالى قد حرّم عليه (ص) ، وعلى أهل بيته الأطهار (ع) الصّدقة ، ولم يجعل له (ص) درهما ولا دينارا ، ولا ذهبا ولا فضة ، ولا شيئا من عرض الدنيا ، أجرا على تبليغ رسالات ربّه تعالى إليهم ، وهدايتهم لدينه ، وإخراجهم من ظلمات الشرك والكفر إلى نور الإسلام ، وكان (ص) من أزهد الناس في الدنيا وزخارفها ، ولم يزل (ص) منفقا ما في يديه (ص) من مواريث آبائه ، وتركاتهم ، وما أفاء الله تعالى عليه (ص) من الغنائم والأنفال التي جعلها الله تعالى خالصة له (ص) من دون الناس إلى الفقراء من أصحابه ، وذوي الفاقة من أتباعه ، حتى استقرض لذلك ما قضاه عنه (ص) علي (ع) بعد وفاته (ص) ، وكان علي (ع) هو المنجز لعداته ، والقاضي عنه دينه على ما في الصحيح المتفق عليه بين حملة الآثار النبوية من أهل السنّة.