ومن الواضح أنّ أكثر ما لدى الناس أشياء مستوحاة من البيئة التي نشئوا فيها ، وسرت إلى أذهانهم من المحيط الذي عاشوا فيه ، لم تبلغ حدّ الرسوخ في أدمغتهم ، ولم تتمكن من عقولهم ، فما علينا إلّا أن نبحث عن الحق أين ما كان بدليله فنتبعه. وقديما قيل في المثلات والعبر كما أن المريض في جسمه يجب عليه أن يشرح للطبيب حالاته الظاهرية كافة ، منذ بدء إحساسه بالمرض إلى النهاية ، ليكون الطبيب على بصيرة في وصف الدواء لعلاجه ، كذلك على المبتلي بالأمراض العقائدية الموروثة أن يستعرض حالاته الباطنية ، من مبدأ تميّزه الفكري حتى النهاية التي ارتسمت له فيها صور تلك العقائد ، ويعرضها على الخبراء العارفين ، لينبّهوه على مواضع الخطأ والصواب ، بما يقيمونه له من الأدلّة العقلية ، والبراهين الشرعية ، ليكون على بصيرة من أمره ، فتتم الحجة عليه.
فيجب علينا إذن أن نبحث بحثا عميقا ، ونحلّل هذه المباحث تحليلا دقيقا ، من مختلف الجوانب بطريقة علمية صحيحة صريحة. متحلّلين من القيود والمجاملات ، وذلك لما يشعر به كل واحد منّا بانسلاخ زمن الجمود ، وذهاب عصر التمويه والكتمان ، وذرّ الرماد في العيون ، وإنّنا في عصر تنوّرت فيه العقول ، وانتشر فيه العلم ، حتى عمّ البلاد والعباد. لذا كان علينا أن نلج فيه إلى الأعماق ، ليتسنّى لنا إخراج لؤلؤ الحقيقة اللمّاع ، الخالي من الغش والزيف ، ومن الطبيعي أنّ من أراد فتح هذا الباب ، وانتحى منحى الصراحة ، وعرف قيمة البحث العلمي المجرّد من التحيز ، يجب عليه أن ينفض عن نفسه غبار العاطفة ، ويترفّع عن التعصّب البغيض ، الأمر الذي يقوده إلى التمسّك بالحقائق مهما كانت مزعجة ومؤلمة. وإنّما أوردت لكم هذا الأمر يا صاحبي لكي لا تتأثّر أنت ، ولا يتأثّر غيركم ممّن يمسّه هذا البحث ، بسردنا الحقائق التي توصّلنا إليها من خلال هذه الدراسات