فاتحة الكلام
قلت لصاحبي قبل أن نخوض في هذه المباحث يجب علينا أن نضع أمر التقليد عن ظهورنا لئلّا نكون من الذين ذمّهم الله تعالى ووبّخهم على تقليد الآباء والأمهات في الدين بلا دليل حيث قالوا على ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة الزخرف آية ٢٣ (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) وقال تعالى في سورة الصافات آية ٦٩ و ٧٠ : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ* فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) وقال تعالى في سورة المائدة آية ١٠٤ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) إلى غير ذلك من الآيات الناهية أشدّ النهي وأبلغه عن تقليدهم بلا حجة ولا برهان ، فعلينا إذن أن نفحص بدقّة عن العقيدة الحقّة التي تسوقنا إليها البراهين والحجج المقبولة عند الفريقين ، لأنّا بحمد الله تعالى مجهّزون بأنواع العلوم والدراسات التي تعيننا على هذا الأمر ، وتيسّر لنا الوصول إلى الحقيقة لأن أخذنا بعقيدة الآباء والأمهات واعتناقنا لها تقليد بغير علم ، ولا هدى ، ولا كتاب منير ، إذا لم نقم عليه دليلا شرعيا ، ولا برهانا عقليا لجواز أن تكون تلك العقيدة باطلة فلا تكون مسقطة للمسئولية ولا مبرّئة للذمّة قطعا. والتحقيق يجب أن يحتمل كل منّا أنّه على خطأ ما لم يثبت عنده بطلان ما ذهب إليه صاحبه بدليل العقل والنقل. فليبذل إذن كل واحد منّا أقصى جهده في المزيد من التوغل في درس مواضيع هذه المباحث ، وسبر غورها ، ليتوصل إلى الحقيقة من أقوى طرقها وأمتن أواخيها. ومن ثم يلزمنا أن نستعد لمجابهة هذه الحقيقة بشجاعة وإقدام غير آبهين بالأسوار الاجتماعية المحيطة بنا ، وعلينا أن نخترقها من غير هياب ، لنعثر على ضالتنا المنشودة في سبيل نيل الهداية ، وتحقيق السعادة الأبدية.