ويستأصل شأفة ما يبعث الهمّ والغمّ في نفوسهم ، وترفع الغشاوة عن أبصارهم ، ليرجعوا إلى الأصل الديني الواجب عليهم اتّباعه ، فيعتصموا بحبل الله جميعا وينضووا تحت لواء الحق ، ويسيروا إلى العلم النافع ، والعمل الصالح ، إخوة بررة ، مستمسكين بمبدإ واحد ، وعقيدة واحدة ، يشدّ بعضهم بعضا.
ولقد اتّفقنا في هذه المباحث على أن ينظر أحدنا إلى الآخر نظر المتفهم الذي يريد تحليل الحقائق تحليلا فنيا ، ليصل إليها من جميع أطرافها ، لا نظر الساخط المخاصم.
وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أدلّة الفريقين ، ونتوخى الحقيقة من الطريق المجمع عليه بين الطائفتين كما وإني رأيت بدافع الضرورة أن أودعها في هذا الكتاب ، وأضعها بين يدي إخواني المسلمين ، راجيا منهم أن ينظروا فيها نظر الصيرفي الناقد ، لما بين يديه من نقود ، وخاصة الطبقة المتعلمة منهم ، ممن لابس الحياة العلمية ، فمحّص حقائقها وتحلل من القيود والأغلال ، ونبذ التقليد الأعمى ونظر إلى الحقائق بمنظار علمي دقيق ، ودرسها دراسة متقنة على ضوء العلم الصحيح ، فإن ظفر كتابي هذا بالقرّاء المنصفين الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، فذلك ما أبتغيه وهو أقصى ما أرجوه من هذه المناظرة ، وإلّا فما أردت إلّا الإصلاح وأداء الواجب ما استطعت إليه سبيلا.
ثم إنّ أملي منهم ، لحسن ظنّي بهم ، أن يبدوا ما عندهم من آراء ونقود ، على أن تكون بنّاءة ، وغير خارجة عن دائرة آداب النقد ، فإنّا نتقبّل ذلك بكل فخر وترحاب ، لأنّا لا نريد من وراء ذلك إلّا الوقوف على الحقيقة والصواب ، ولم نقصد بها إلّا وحدة الصف ، وتوحيد الكلمة على الحق والهدى ، وما توفيقي إلّا بالله تعالى عليه توكّلت وإليه أنيب.