أمّا قيام المقتضى ، فلأنّ اعتقاده لحرمة الكذب يزجره عن الإقدام عليه ، فيحصل ظن صدقه ، فيجب العمل به. وأمّا عدم المعارض فلإجماعهم على أنّ الكافر الّذي ليس من أهل القبلة لا تقبل روايته ، وذلك الكفر منتف هنا.
وفيه نظر ، لأنّ المقتضى ليس اعتقاد حرمة الكذب ، وإلّا لكان ثابتا في حقّ الكافر الأصلي الّذي يعتقد حرمته ويتديّن في مذهبه والأصل عدمه ، وإلّا لوقع التعارض بين المقتضى والمانع وهو الكفر الأصلي والأصل عدم التعارض ، بل المقتضى هو الإسلام ، ونمنع اختصاص الكفر الأصلي بالمعارضة لوجودها في مطلق الكفر.
واحتجّ أبو الحسين (١) بأنّ كثيرا من أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف ، كالحسن وقتادة (٢) وعمرو بن عبيد (٣) ، مع علمهم بمذهبهم واعتقادهم كفر من يقول بقولهم.
__________________
(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٣٥.
(٢) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس ، أبو الخطاب البصري ، وكان أكمه ، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة ، ولد سنة ستين وقيل : واحد وستين ، وتوفّي بواسط في الطاعون وهو ابن ٥٦ أو ٥٧ بعد الحسن البصري بسبع سنين. تهذيب الكمال : ٢٣ / ٤٩٩ برقم ٤٨٤٨.
(٣) هو أبو عثمان وقيل : أبو مروان عمرو بن عبيد بن باب البصري التميمي ، أحد رجالات المعتزلة القدرية ، كان متكلما أديبا شاعرا ، عامّي المذهب ، والعامّة اتّهموه بالكذب وتركوا حديثه ، ولد سنة ٨٠ ه ، وسكن البصرة ، وصحب بها الحسن البصري دهرا من الزمن ثم اختلف معه واعتزل مجلسه وتبعه جماعة سمّوا بالمعتزلة العمروية ، توفّي بمرّان (في طريق مكة) سنة ١٤٤ ه ، وقيل غير ذلك. الفائق في رواة وأصحاب الصادق عليهالسلام : ٤٩٨ برقم ٢٤٣٧ ، نقلا عن : الكنى والألقاب : ١ / ١٤٩ ؛ ومعجم رجال الحديث : ١٣ / ١١٢ ؛ والأعلام : ٥ / ٨١ ؛ وطبقات المعتزلة : ٣٥ ، وغيرها.