وفيه نظر ، فإنّ القاضي لم يستدلّ على الثبوت بعدم الامتناع ، بل ذكر أنّ هذا المانع لا يصلح للمانعية.
الثالث : لو قال الصحابي : كان هذا الحكم ثمّ نسخ ، كقولهم : إنّ خبر «الماء من الماء» نسخ بخبر «التقاء الختانين» لم يكن حجّة ، لجواز أن يكون قوله عن اجتهاد.
وفصّل الكرخي فقال : إن عيّن الناسخ فقال : هذا منسوخ بكذا ، لم يقبل ، لجواز ان يكون قوله عن اجتهاد ولا يجب الرّجوع إليه ، وإن لم يعيّن بل قال : هذا منسوخ ، وجب قوله ، لأنّه لو لا ظهور النسخ فيه لم يطلق (١).
وهو باطل ، لجواز ظهوره في ظنّه ، لا في نفس الأمر.
الرابع : الاعتبار بكون أحدهما مثبتا في المصحف بعد الآخر ، فإنّ ترتيب الآيات في المصحف ليس على ترتيب النزول ، كآية العدة (٢) ، ولا يكون تساوي أحدهما من إحداث الصحابة ، لأنّه قد ينقل عمن تقدّمت صحبته وإن روى عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير واسطة ، لجواز أن تكون رواية متقدم الصحبة متأخّرة ، ولا أن يكون إسلام أحدهما أسبق.
__________________
(١) نقله عنه الرازي في محصوله : ١ / ٥٧٢.
(٢) فإنّ قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ،) قد ورد في سورة البقرة الآية رقم ٢٤٠ ، وفي الوقت نفسه نسخها قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) في نفس السورة برقم ٢٣٤ ، فقد تقدّم الناسخ على المنسوخ في ترتيب الآيات.