كان هذا التالى من المندوبات ، فإن الانسان إذا كان بحيث لو لم يكن فارغ البال طيب النفس بالكلية لم يتمكن من طلب العلوم الدقيقة ولم يقدر على المباحث الغامضة ، فكل مال وجاه لا يمكن تحصيل تلك الحالة إلا معه كان طلبها مندوبا ، ولهذا قال يوسف عليهالسلام (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٢ ، وطلب المال عند ذلك الملك والسبب فيه ما ذكرنا.
المرتبة الثالثة طلب المال والجاه (الورقة ٢٨٥ ظ) بشرط أن يكون ذلك الطلب مباحا وهو ما إذا عرض نوع فضيلة من فضائله التى يكون هو صادق فيها ليحصل له فى قلوب بعض الناس جاه ومنزلة فهذا من باب المباحات (١) ، إلا ان بقاء هذه الحالة على هذا الحد متعذر جدا ، لأن الإنسان إذا التذ بطلب الجاه ، فقد يدعوه التذاذه إلى طلب الزيادة عليه ، وقد (لا) يمكنه طلب الزيادة بالصدق العارى عن التلبيس فحينئذ يقع الكذب فلما كان بقاء هذه الحالة الموصوفة بكونها مباحة على ذلك الحد امرا متعذرا لا جرم كان الاولى الاحتراز عنه ،
المرتبة الرابعة : المكروه وهو ما إذا علم الإنسان شدة ميل طبعه إلى طلب الجاه والتذاذه به فيكره له طلب الجاه بالصدق لأن الداعية الطبيعية لما كانت قوية فإذا التذ بها ألفها وسربها ، فصارت تلك الحالة موجبة لإعراضه عن ذكر الله تعالى وكونها على هذا الخطر يوجب ترك الطلب.
المرتبة الخامسة الحرام وهو أن يتوسل إلى طلب الجاه بالريا والكذب فهذا إلقاء التلبيس فى قلوب الناس والاعراض عن الصدق
__________________
(١) المخطوطة : المباحاة