عن عالم المحسوسات واقبالها على عالم الروحانيات ، حتى أن الإنسان عند الموت يفارق من المنافى إلى الملائم ، والآتى بالطاعات لأجل داعية الريا ، فقد أكمل العلاقة مع عالم المحسوسات وبالغ فى الفرار عن عالم الروحانيات ، فعند الموت ينتقل (الورقة ٢٩١ ظ) من الملائم إلى المنافى ، ومن اللذيذ إلى المؤلم ، فيحصل هناك البلاء العظيم.
واعلم أنه مهما أدرك الإنسان تفرقة (٦ بين أن يطلع على عبادته انسان أو بهيمة ، ففيه شعبة من الرياء ، فإنه لما قطع طمعه عن البهائم لم يبال بحضور البهائم ، فلو كان مخلصا قانعا بعلم الله لما التفت إلى اطلاع غيره عليه ، وحيث حصل التفاوت ولو بالقليل ، فالرياء هناك حاصل.
فإن قلت فهل يعقل أن يحصل السرور عند اطلاع الغير على طاعته ، مع كونه مخلصا ، فنقول : هذا ممكن فى صور :
أحدها أنه إذا نظر إلى هذه الحالة من حيث أنه تعالى اطلع (٧ الخلق على أفعاله الجميلة وستر عنهم أفعاله القبيحة ، كل ذلك على العناية من الله تعالى فى حقه ، فإذا فرح بهذه الحالة نظرا إلى هذا الاعتبار كان ذلك بمحض الاخلاص ، وهو المراد بقوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ ، فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٨.
الثانية أن يغلب على ظنه أنه تعالى : لما أظهر (٩ جميله وستر عليه قبيحه فى الدنيا فالظاهر أنه كذلك يفعل فى الآخرة لقوله عليهالسلام : ما ستر الله على عبده فى الدنيا إلا ستر عليه فى الآخرة.
الثالثة إذا غلب على ظنه أن الذين رأوه على تلك الطاعة