واحد فى الإنسان ، لأنا إذا تكلمنا فقد عقلنا أولا معنى ، ثم أردنا أن نعرف غيرنا ذلك المعنى ثانيا ، ثم انا باختيارنا أدخلنا تلك الحروف والأصوات ثالثا لنعرف غيرنا بواسطة (الورقة ٢٦٤ و) تلك الحروف والأصوات تلك المعانى التى عرفنا.
إذا ثبت هذا فنقول : إن كان محل العلم والإدراك هو بعينه محل تلك الحروف والأصوات لزم أن يقال أن محل العلوم والإدراكات هو الحنجرة واللهاة واللسان. ومن العلوم بالضرورة أن الأمر ليس كذلك
وإن قلنا : إن محل العلوم والإدراكات هو القلب ، ومحل الحروف والأصوات أيضا هو القلب ، فذاك أيضا معلوم البطلان بالضرورة.
وإن قلنا : إن محل الكلام هو الحنجرة واللهاة واللسان ، ومحل العلوم والإدراكات هو القلب والدماغ ، ومحل القوة هو الأعصاب والأوتار والعضلات كنا قد فرعنا هذه الأمور على الأعضاء المختلفة ، لكنا أبطلنا ذلك.
وقد بينا أن المدرك لكل المدركات بتلك (١) الإدراكات والمحرك لجميع الأعضاء بكل التحريكات بحيث أن تكون شيئا واحدا ، فلم يبق إلا أن يقال محل الإدراك فى البدن شيء سوى هذه الأعضاء ، وأن هذه الأعضاء جارية مجرى آلات وأدوات له ، فكما أن النجار يفعل أفعالا مختلفة بواسطة آلات مختلفة ، فكذلك النفس تبصر بالعين وتسمع بالأذن وتتفكر بالدماغ وتفعل بالقلب ، فهذه الأعضاء آلات للنفس و
__________________
(١) المخطوطة : تلك