فُجُورَها وَتَقْواها) (١١ ، وهذه الآية صريحة فى وجود نفس موصوفة بالإدراك وبالتحريك معا ، لأن الإلهام عبارة عن الإدراك ، وأما الفجور والتقوى فهو فعلى ، فهذه الآية صريحة فى أن الإنسان شيء واحد ، وهو موصوف بالإدراك ، وموصوف أيضا بفعل الفجور تارة ، وبفعل التقوى أخرى. ومعلوم أنه ليس كل البدن موصوفا بالإدراك وبالفعل معا ، وليس عضوا واحدا من اعضاء البدن موصوفا بجملة الإدراكات وجملة هذه الأفعال. فلا بد من إثبات جوهر واحد يكون موصوفا بكل هذه الأمور.
ومما تقرب من هذا الدليل قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (١٢ ، فهذا تصريح بأن الإنسان شيء هو موصوف بأنه هو المبتلى بالتكاليف الإلهية والأوامر الربانية ـ وبأنه هو الموصوف بالسمع والبصر.
ومعلوم أن جملة البدن ليس كذلك ، فإنه لا يمكن أن يقال : إن بدن الإنسان مكلف من قبل الله بالافعال [والترك وكذا] يده أو رجله أو جبهته أو حدقته أو أنفه أو لسانه مكلف بذلك. فإن العلم الضرورى حاصل بأنا إذا أمرنا الإنسان بأمر أو نهيناه عن فعل ، فهذا الأمر والنهى ما توجها على عضو من أعضائه ولا على جملته ، بل الشيء المتصرف الثابت لمجموع الجسم هى (النفس) التى تكون سارية فى مجموع ذلك الجسم (١٣ ، حاصلة فى كل واحد من أجزاء ذلك البدن ، موصوفة بذلك الوصف.
ولما تقرر وبين أن الإدراك والفهم والتكليف لم يتوجه على شيء