بهما يلزم العبث في جعلهما ، ومع ترك العمل بأحدهما يلزم الترجيح بلا مرجّح ، ولعدم إمكان التعادل بأنّه لا يجوز تبليغ الشريعة على وجه يؤدي إلى وصول أمارتين متعارضتين.
وغرض المستدل وإن كان نفي أصل التعارض إلا أنّ لازم دليله كما استظهره صاحب الفصول نفي التعارض على وجه التعادل ، إذ مع وجود الترجيح لأحدهما لا محذور ، فإنّه يخرج الآخر عن الحجيّة الفعليّة ، فلا يلزم قصور في التبليغ ، والظاهر أنّ نظر المانع عقلا إلى أنّه لا يعقل جعل الشارع لكلا الدليلين واقعا ، وأنّ ما كان في نظر المجتهد كذلك يكشف عن عدم كون كليهما أو أحدهما حجّة ، فغرضه أنّه لا يعقل تعارض الأمارتين الواقعيتين (١) ، ونظر المانع لجوازه شرعا إلى أنّه وإن كان يمكن عقلا إلا أنّه يؤدي إلى ما يكون قبيحا ؛ وهو العبث في الجعل والترجيح بلا مرجح ، فهو أيضا ناف للإمكان ، لكن بمعنى الإمكان الوقوعي لا (٢) الذاتي ، والأول ناف للإمكان الذاتي ، ونظر النافي للتعادل إلى أنّ الأمارتين المتعادلتين في نظر المجتهد لا بدّ وأن يكون مع إحداهما مرجّح ومزيّة توجب تقديمها ، وإن لم يصل إليه المجتهد.
وكيف كان فالتحقيق أن يقال : لا إشكال في إمكان التعارض في نظر المجتهد ، وكذا إمكان التعادل بأن يكون هناك أمارة معتبرة بحسب الأدلة وأخرى كذلك ، وكان مؤداهما متنافيا ، غاية الأمر أنّه لو قلنا بعدم إمكان جعلها من الشارع نلتزم بأنّ المعتبر واقعا وعند الشارع إحداهما ، أو ليس واحدة منهما ، وهو مشاهد بالوجدان ، إذ مقتضى الأدلة حجيّة الخبر مطلقا ، وقد يتعارض فردان منه ، وقد يتعارض الخبر مع الإجماع المنقول ، وهما حجّتان في نظر المجتهد ، بمقتضى عموم الأدلة ، وهذا واضح.
وأمّا إمكان ذلك واقعا بمعنى كونهما في الواقع واجبتي (٣) العمل (٤) ، وإنّما منع
__________________
(١) في النسخ : الواقعيين.
(٢) لا توجد كلمة «لا» في نسخة (ب).
(٣) في النسخة : واجب ؛ وما ذكرنا أصح لرجوع اللفظ للأمارتين.
(٤) في النسخة (ب) : واجب العمل في الواقع.