الله شيئا ثالثا.
ودعوى : أنّه يرجع إلى التخيير في مقام العمل مدفوعة بأنّ هذا التخيير فرع لإمكان إيجاب العمل بهما من حيث هو ، حتى يحكم العقل بعد عجز المكلّف بوجوب العمل بهما بقدر الإمكان ، وهو أحدهما ، نظير تزاحم الواجبين ، ونحن نقول : لا يمكن ذلك ، نعم يمكن حكم الشارع من الأول بالتخيير بينهما ، لا من حيث إنّه مقتضى التعارض ، وهذا غير ما هو محل البحث.
والحاصل : إنّا نقول إنّ كل واحد من الدليلين وإن كان مشمولا لدليل اعتباره بحسب الظاهر ، إلا أنّ الحجّة الواقعيّة لا يمكن أن تكون كليهما ، بحيث لو فرض محالا إمكان العمل بها (١) كان واجبا ، بل المقام نظير ما نقول في مثل قوله أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من أنّ العالم الفاسق إمّا مراد من العموم الأول ، أو الثاني ، ولا يمكن أن يكون مرادا منهما ، وإلا لزم التناقض ؛ غاية الأمر أنّ كلّا من العامّين شامل له ، هذا كله بناء على الطريقيّة.
وأمّا بناء على الموضوعيّة والسببيّة ؛ فيمكن كونهما واجبي العمل واقعا ، إذ على هذا يكون نظير تزاحم الواجبين ، فإنّ الملحوظ حينئذ ليس جهة الكشف عن الواقع والعمل على أنّه هو ، بل من جهة أنّ في العمل بقول العادل مصلحة فإذا تعارضا يكون من قبيل تزاحم الواجبين ، وكذا الحال في الأصول العمليّة.
هذا ويمكن المنع بناء على السببيّة في الأخبار أيضا ، إذ الظاهر (٢) أنّ حيثيّة البدليّة عن الواقع ملحوظة في العمل بهما ، ولا يعقل جعل بدلين متخالفين لمبدل واحد ، نعم لا مانع في الأصول أصلا.
فإن قلت : فعلى هذا يلزم عدم الحاجة إلى باب التعارض والتعادل ، وتخطئة جميع العلماء في ذكرهم التعارض وأحكامه؟
قلت : لا ؛ بل يبقى جميع ما ذكروه في محلّه ؛ غاية الأمر أنّ الدليلين لا يمكن
__________________
(١) في نسخة (ب) : بهما.
(٢) في النسخة : إذا ظاهر.