القاعدة هو الإمكان العرفي دون العقلي ، وإلا لزم الهرج والمرج ، وأيضا الجمع بمجرّد الإمكان العقلي مخالف للاجماع والسيرة ، فإنّ العلماء من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم [...](١) يستعملون المرجّحات مع إمكان الجمع بالوجوه البعيدة ، مع إنّ ذلك مستلزم لحمل الأخبار العلاجيّة على الفرد النادر ؛ إذ قلّما لا يمكن الجمع بالتأويلات البعيدة.
وعلى هذا فيصح ما ذكره صاحب الغوالي من دعوى الإجماع ، إذ مع الإمكان العرفي يمكن دعوى الإجماع على وجوب الجمع.
وأمّا ما ذكره بعض من أنّه لا معنى للتفكيك بين الإمكانين ، وأنّ المراد منه في القاعدة هو العقلي ، وحمله على العرفي مبني على الخلط والاشتباه في معنى الجمع ، وأنّ أول من سلك هذا المسلك وحمله على العرفي الأستاذ البهبهاني «قدس سرّه ونوّر الله مرقده» (٢).
وليس الأمر كما زعموا ؛ إذ بعد البناء على كون المراد هو الجمع الدلالي لا تفاوت بين العقل والعرف ، إذ الجمع غير معقول مع عدم مساعدة القرينة ، إذ لا بدّ فيه من كونه على وجه يستكشف منه المراد ، ولا يمكن ذلك بدون القرينة ، إذ الحمل على بعض المحامل بدون الكاشف جمع عملي لا دلالي قد عرفت ما فيه من الخلط والاشتباه ، إذ لا شبهة في صدق الإمكان العقلي إلا فيما يمكن عرفا بمجرّد احتمال كون المراد كذا ، وإن لم يكن عليه دليل ولا شاهد ، إذ يمكن إرادة خلاف الظاهر بلا نصب قرينة ، ويمكن أن يكون هناك قرينة اختفت علينا ، فدعوى عدم الإمكان العقلي إلا فيما يمكن عرفا خلاف البديهة ، ولا يرجع إلى الجمع العملي كما عرفت سابقا.
هذا ولا فرق في وجوب الجمع مع الإمكان العرفي بين القطعيين سندا وغيرهما وإن كان يتفاوت الحال بينهما في غير صورة الامكان العرفي حيث إنّه لا يمكن في
__________________
(١) توجد كلمة غير مقروءة ، ولكنّ المفهوم منها : يكونوا أو يروا ...
(٢) هذه العبارة ما بين القوسين لا توجد في نسخة (ب).