حقوق كثيرة وأموال في البيت وعند التجّار وافرة ، وأريد أن أوصي إليكم لتفريغ ذمتي ، وأداء واجباتي .. فلمّا ألقى علينا تلك الكلمات ونعى إلينا نفسه الشريفة ، كأنّما أطبقت السماء علينا ، واسودّت الدنيا بأعيننا.
ثمّ أخذ رضوان الله عليه يشجعنا ويسلينا ويناشدنا حق الأستاذيّة ، وأنّه لا يعتمد على غيرنا ، فطلبنا منه أن يشرك معنا شخصا أو شخصين للمساعدة ورفع الهمّ وظن السوء ، فأشرك الحاج محمود والشيخ علي المازندراني من وجوه تلاميذه ، ثمّ ألقى إليّ المطاليب التي في نفسه ، وأمرني بكتابة الوصيّة بخطي كي يوقع عليها ، فكتبتها وجئت بها إليها صباحا ، فأمرني بكتابة وصيته وتشتمل على ما في الأولى وعلى زيادات تجددت في نظره ، فكتبتها بخطي وجئت بها إليه عصرا.
وكان قد اشتدّ به مرضه ، فبعث الشيخ عبد الرحيم اليزدي خادمه الخاص ، وجمع له جماعة من أعيان وتجّار النجف من العجم والعرب وجماعة من طلاب العلم الأفاضل وجملة من الأعيان فحضروا ليلا وأمرني فقرأت عليهم الوصيتين ، وأمرهم أن يحرروا شهادتهم فيها ووقّع عليها بخطه وخاتمه ..
وفي ليلة الثامن والعشرين من رجب مقارن طلوع الفجر ، انتقل إلى رحمة الله ، وكان من جملة وصاياه إعطاء الخبز للطلاب ثلاثة أشهر ، وطبع تتمات العروة الوثقى وإن زاد المال يطبع السؤال والجواب «الاستفتاءات» ، وإعطاء العبادات والحج المقيّدة في دفاتره .. (١)
انتقل إلى رحمة الله بعد أن بقي أياما في مقاساة ذلك المرض (ذات الجنب) بل قيل شورا ولم يخبر أحدا عنه حتى أقعده عن التدريس ، وقد حضر تشييع جنازته العامة والخاصة وزوّار أمير المؤمنين في المبعث النبوي ، وخرج أهالى النجف قاطبة لتشييعه ، وقد دفن في الإيوان الجبير من الصحن الغروي ممّا يلي مسجد عمران.
فرحمة الله عليه يوم ولد ويوم فارقت روحه الدنيا ويوم يبعث حيا.
__________________
(١) صفحات من مذكرات للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ؛ ضمن كتاب «النجف الأشرف وحركة الجهاد ١٩١٤ م» ـ : كامل سلمان الجبوري ـ ص ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، ويجدر بالذكر أنّ البعض أرّخ وفاته بسنة ١٣٣٨ ه وهو اشتباه.