وكذا لا وجه لعدّ الجمع بين مثل (١) قوله أكرم العلماء ولا تكرم العلماء بحمل الأول على العدول ، والثاني على الفسّاق ، من الجمع بشهادة العقل ، فإنّه إذا وجب إكرام العلماء فالعقل يحكم به في العدول ، وعلى فرض الحرمة العقل يحكم بها في الفساق بالأولى ، لأنّ الأولين أولى بالإكرام والآخرين بتركه ، فالعقل شاهد للجمع ، وذلك لأنّ حكم العقل على فرضه تقديري فلا يثمر ، وإنّما المثمر ما إذا حكم فعلا بوجوب إكرام عدول العلماء ، وحرمة إكرام فساقهم ، وليس (٢) ؛ فالحكم بالأولويّة على فرض الوجوب أو الحرمة لا يصلح أن يكون شاهدا ، إذ في الحقيقة لا بدّ أن يكون العقل مخصّصا للعامّين ، وحكم العقل التقديري لا يصلح للتخصيص كما هو واضح.
ثمّ اعلم أيضا أنّه لا فرق فيما ذكرنا من الجمع العرفي في المقام والمقام السابق من القطعيين والمختلفين بين النص والظاهر ، والظاهر والأظهر ، فإنّه كما أنّ النص قرينة على الظاهر ، وبملاحظتهما معا يحكم العرف بالتأويل في الظاهر ، فكذا في الأظهر (٣) ؛ فإنّه أيضا قرينة على الظاهر.
وكذا بناء على مذاق المحقق الأنصاري قدس سرّه من جعل التعارض بين سند النص ودلالة الظاهر حكومة الأول على الثاني ، فإنّ الأمر كذلك في الأظهر والظاهر أيضا ، ومجرّد إمكان التأويل في الأظهر أيضا من حيث إنّه لا يخرج عن كونه ظنيّا دون النص ، لا يكون فارقا كما هو واضح ، فلا وجه لما ذكره المحقق المذكور في باب الجمع في المرجحات الدلاليّة من الفرق بينهما ، وأنّ الحكومة متحققة في النص والظاهر دون الأظهر والظاهر ، فإنّهما متعارضان ؛ لإمكان التأويل في كليهما ، غاية الأمر أنّ الأظهر يرجح من جهة قوة الدلالة ، ولعلّه لما ذكرنا عدل عن ذلك في حاشية له حيث قال (٤) : إنّه بعد إحراز الترجيح العرفي للأظهر يصير كالنص ، ويعامل معاملة الحاكم ، لأنّه يمكن أن يصير قرينة للظاهر ، ولا يصلح الظاهر أن يكون قرينة له ، بل لو
__________________
(١) لا توجد هذه الكلمة «مثل» في نسخة (ب).
(٢) أي : وليس من حكم عنده فعلا بوجوب إكرام عدول العلماء وحرمة إكرام فسّاقهم.
(٣) بعدها في نسخة (ب) : والظاهر فإنّ الأظهر قرينة.
(٤) فرائد الأصول : ٤ / الهامش من صفحة ٢٦.