أدلة الأحكام أيضا ممنوع ، لإنكار صاحب الوافية له ، وأقرّه عليه الشرّاح فإنّه قال في الآيتين المتعارضتين بتقديم النص على الظاهر ، وإن كان أحدهما نصا وإلا فالإجمال (١) ، ومقتضى إطلاق كلامه الحكم بالإجمال مع كون أحدهما أظهر وأمضاه شرّاحه.
ودعوى بناء العرف والعقلاء على تقديمه مدفوعة بمنع البناء أولا ، ومنع اعتباره ثانيا ، وذلك لأنّ بنائهم إنّما يعتبر في تشخيص الظهورات لا في الأحكام اللاحقة لها وكيفيّة العمل واستكشاف المرادات بها.
وبالجملة فإقامة الدليل على اعتبار الأظهريّة مطلقا أو في خصوص أدلّة الأحكام (٢) دونه خرط القتاد.
أقول : قد عرفت أنّ وجه التقديم أنّه عند العرف يعدّ قرينة للظاهر ، فيكون حاله حال النص ، ولا يحتاج إلى الإجماع على الجمع ، ولا يضره مخالفة صاحب الوافية مع أنّها غير معلومة من العبارة المذكورة ، إذ لعلّ ذكره للنص من باب المثال لكل ما يكون قرينة.
ودعوى عدم بناء العقلاء كما ترى ، وكذا دعوى عدم اعتباره في المقام ؛ لأنّ حكمهم في أنّها (٣) أيضا ترجع إلى تشخيص الظاهر ، وأنّ المراد من الكلامين الصادرين على الوجه المذكور إذا لوحظا معا هو كذا ، مع أنّا نمنع عدم اتباعهم في مثل هذه الأحكام اللاحقة للظواهر ، نعم لا تتّبع أحكامهم الاستقلاليّة الغير الراجعة إلى الظواهر أصلا.
ثمّ إنّ ما ذكره في مثال الوصيتين المتنافيتين فيه ما لا يخفى ، إذ في الوصيّة المنافية للأولى تقدّم الثانية وإن كانتا متساويتين في الظهور ، ولم يعلم البداء ؛ لأنّها حيث كانت من العقود الجائزة ، فيجوز الرجوع فيها ، ومجرّد الوصية الثانية رجوع فعليّ عن الأولى ، وإن لم يكن ملتفتا إليه (٤) ، وذلك لأنّ المال بعد باق على ملكه فلو
__________________
(١) الوافية : ٣٢٥.
(٢) في النسخة : أحكام.
(٣) كلمة غير واضحة ؛ ورسمنا ما يحتمل إرادته.
(٤) في النسخة : إليها ، وما كتبناه أصح ، لأنّ الضمير يرجع لقوله «رجوع» ، أي لم يكن ملتفتا ـ إلى كونه رجوعا.