التفكيك بعد كون الحكم تعبديا كما عرفت نظيره سابقا ، واستبعاد ذلك من حيث إنّ المضمون الواحد لا يمكن أن يتبعض في الصدق والكذب ، والصدور وعدمه ، استبعاد لغير البعيد ، فإنّ مقتضى الدليل وإن كان تصديق العادل في قوله بتمام مضمونه ؛ إلا أنّ المانع وهو التنافي في مادة الاجتماع يمنع عن ذلك بالنسبة إليهما دون مادتي الافتراق.
ألا ترى أنّه لو كان خبر واحد متضمنا لحكم أصولي وفرعي بمضمون واحد يؤخذ به بالنسبة إلى الثاني دون الأول ، بناء على حجيّته فيه دونه ، ومعنى الأخذ به في الفروع الحكم بصدوره ، ومعنى عدم حجيّته في الأصول عدم الحكم بصدوره ؛ لا أنّه يحكم بصدوره ثمّ لا يعمل به في الأصول ، نعم لو قلنا باعتبار الأخبار من باب الظن الفعلي بالصدور ، لا يمكن التفكيك ، لكن معه لا يجري حكم التعارض ، إذ حينئذ يعمل بما يكون مظنون الصدور ويطرح الآخر ؛ هذا.
ويمكن أن يقال إنّ ظاهر الأخبار العلاجيّة وجوب الأخذ بالأرجح ، وطرح المرجوح مطلقا ، ولو في مادّة الافتراق ، فمع الرجوع إليها لا يؤخذ بمادة الافتراق أيضا ، فيبقى ما ذكرناه من التفكيك بناء على الرجوع إلى القاعدة العقليّة ، إذ معه لا ينبغي التأمل في أنّ الطرح إنّما هو بمقدار المانع ، إلا أن يقال بناء عليه أيضا : إنّه يصدق تنافي الخبرين على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وإذا كان هذا موضوعا للحكم العقلي بالتساقط مثلا ، فيحكم بتساقطهما مطلقا ، ولا يلاحظ خصوص مادة الاجتماع.
وكيف كان ؛ فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وقع لما يظهر من المحقق الأنصاري من الاستشكال في جريان قاعدة الجمع في المقام ، وعدمه بعد البناء على عدم جريانها في الظاهرين المحتاجين إلى تأويلين ، وجريانها في النص والظاهر والأظهر ، فإنّه قال في قاعدة الجمع (١) : وأمّا لو لم يكن لأحد الظاهرين مزيّة على الآخر فالظاهر أنّ الدليل المتقدم في الجمع ـ وهو ترجيح التعبّد بالصدور على أصالة الظهور ـ غير جار هنا .. إلى آخر ما قال.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٢٧.