للإثبات ، ومع التعارض لا يمكن أن يؤثر شيء منهما في ثبوت الحكم ، لعدم إمكان ثبوت حكمين متناقضين ، والتخيير العقلي فرع تماميّة الوجوب التعييني لكلّ منهما من قبل المكلّف وعجز المكلّف عن الامتثال.
هذا ؛ ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بالطريقيّة والموضوعيّة ، إذ كما أنّه لا يمكن جعل طريقين متناقضين بناء على كون المجعول هو المؤدى ، كذا لا يمكن جعل حكمين تعبديين في الظاهر لواقع واحد ، إذ لا فرق في التناقض بين أن يكون الحكم واقعيا بحسب لسان الدليل ، كما على الطريقيّة أو ظاهريّا تعبديّا كما على الموضوعيّة ، فلا يمكن أن يقال يجب في يوم الجمعة البناء على وجوب الظهر وعدم وجوبها ؛ بل لا يمكن ذلك في الأصول أيضا ، فلو شكّ في أنّه متطهّر أو محدث ؛ لا يمكن أن يقال ابن على الطهارة وابن على الحدث ، وكذا إذا جعلنا الموضوعيّة بمعنى جعل المؤدى بدلا واقعيّا عن الواقع ، إذ لا يمكن جعل بدلين لمبدل واحد ؛ مع كونهما متناقضين ، نعم ؛ بناء على تصوير الموضوعيّة بأحد الوجهين الأولين من الوجوه المتقدمة يصير من قبيل تزاحم الواجبين ، ويجب الحكم بالتخيير العقلي ، لكنّك عرفت أنّها من التصويب الباطل ، وأنّ المعقول من الموضوعيّة ـ بناء على مذهب المخطئة ـ أحد الوجهين الأخيرين ؛ بل خصوص الأخير ، وعليه فالحال ما عرفت من عدم إمكان الجعل ، وشمول الدليل.
هذا ؛ مع أنّ تصوير الموضوعيّة على وجه يصير من قبيل الواجبين المتزاحمين يستلزم وجوب العمل بكلا الخبرين مع الإمكان ، بأن أخبر أحدهما بوجوب الظهر ، والآخر بالجمعة ، ولو أخبر أحدهما بوجوب شيء والآخر بإباحته وجب الإتيان به ، لأنّه غير مناف للإباحة ، إذ لا يكون الاعتقاد مطلوبا ، بل الغرض مجرّد تطبيق العمل ؛ فينحصر التزاحم والتخيير العقلي بدوران الأمر بين الواجب والحرام ، أو بما يطلب فيه الاعتقاد والتديّن.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه للتفصيل الذي ذكره (١) المحقق الأنصاري قدس سرّه من أنّه بناء على الموضوعيّة الحق التخيير كالواجبين المتزاحمين ، وعلى الطريقيّة الحق
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٣٧ ـ ٣٨ ، ٥١.