التوقّف ، وذلك لأنّ مراده من الموضوعيّة كون حجية الخبرين من باب التعبد الظاهري ، حيث قال في تفسير السببيّة : بأن يكون قيام الخبر على وجوب فعل واقعا سببا شرعيا لوجوبه ظاهرا على المكلّف ، وحينئذ فلا وجه لجعله من قبيل الواجبين المتزاحمين.
وأمّا ما ذكره على تقدير الطريقيّة من التوقف ففيه : أنّ التوقف إنّما يكون فيما كان هناك واقع مشتبه ، والمفروض في المقام أنّه ليس أحد الخبرين حجّة معينة في الواقع ؛ لتساويهما في ملاك الحجيّة وعدم إمكان شمول الدليل لهما معا باعترافه ، مع أنّ ما ذكره في بيان الوجه للتوقف إنّما يفيد التساقط حيث جعل مصلحة الجعل ـ بناء على الطريقيّة ـ الإيصال الغالبي ، وقال (١) : إذا تعارض خبران جامعان لشرائط الحجيّة لا يعقل بقاء تلك المصلحة في كلّ منهما بحيث لو أمكن الجمع بينهما أراد الشارع إدراك المصلحتين ؛ بل وجود تلك المصلحة في كل منهما بخصوصه مقيّد بعدم معارضته بمثله ، قال : ومن هنا يتجه الحكم بالتوقف ؛ لا بمعنى أنّ أحدهما المعيّن واقعا طريق ولا نعلمه بعينه ـ كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين ـ بل بمعنى أنّ شيئا منهما ليس طريقا في مؤداه بالخصوص ؛ انتهى.
فإنّ من المعلوم أنّه إذا كانت المصلحة مقيدة بعدم المعارض لا يمكن أن يكون شيء منهما مع ذلك مشمولا للدليل ومعتبرا ، فلا وجه للتوقف ونفى الثالث ، ولعلّه يريد أنّ كلّ واحد منهما يتساقط بالآخر ، ولكن هما معا داخلان تحت دليل الاعتبار بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي ؛ وهو نفى الثالث.
وفيه : أنّ هذا عين القول بالتساقط ؛ غاية الأمر أنّه يدّعى أنّ لازم التساقط ليس إلا عدم الأخذ بهما في مدلولهما المطابقي ؛ مع أنّك ستعرف الإشكال في الحكم بنفي الثالث بعد عدم شمول الدليل ، هذا مع عدم العلم بصدق أحد الخبرين ، وإلا فالتوقف في محلّه ، لكن بالنسبة إلى تعيين الحكم الواقعي الموجود في البين لا بالنسبة إلى تعيين الحجّة ، ونفي الثالث حينئذ مستند إلى العلم.
ثمّ ممّا يرد على ما ذكره أنّه يبقى سؤال الفرق بين الأصول والأدلة ـ بناء على
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٣٨.