الموضوعيّة ـ فإنّه إذا كان لازم الموضوعيّة التخيير من جهة التزاحم ، فينبغي أن يكون حال الأصول كذلك ، مع أنّه قائل فيها بالتساقط إذا لم تكن حكومة في البين.
ودعوى أنّ ذلك من جهة عدم تحقق المصلحة في العمل بالأصول ومؤدّياتها ، بل المصلحة إنّما هي في جعلها ؛ بخلاف الأمارات بناء على الموضوعيّة.
مدفوعة بعدم الفرق ؛ فإنّ في الأمارات أيضا يمكن دعوى أنّ المصلحة في جعلها حكما ظاهريا أو جعل مؤدياتها كذلك ، فلا يتم الفرق إلا بناء على حمل الموضوعيّة على ما يرجع إلى التصويب ، مع عدم كون الحكم الواقعي باقيا بحاله ، وإلا فلا ينفعه التزام التصويب أيضا ؛ لاستلزامه التناقض أيضا كما على الطريقيّة.
هذا مع أنّ التخيير في المتزاحمين ليس منوطا بوجود المصلحة فيهما ، وإن كان الأمر كذلك بناء على مذهب العدليّة ؛ بل المراد تحقق الطلبين من الشارع في حدّ نفسهما مع عدم إمكان الامتثال ، فلا فرق في ذلك بين مذهب الأشعري والعدليّة القائلين بالمصلحة في المأمور به ، والقائلين بها في الجعل.
هذا ؛ وربّما يورد على ما ذكره من الوجه في التوقف بأنّه يرجع إلى تعارض الحجّة واللاحجّة ، وأيضا يلزم أنّ مناط الجعل وهو الظنّ النوعي حاصل في المتعارضين ، والطريقيّة حكمة لا علّة ، فلا يضرّها المعارضة ، وأيضا يلزم ممّا ذكره التوقف فيما لو علم كذب أحد الخبرين ، ولو لم يكونا متعارضين ، ولا يلتزم به.
قلت : إنّه صرّح في كلامه بأنّ المقام ليس من تعارض الحجّة واللاحجّة ، وأيضا وجه التوقف ـ على ما يظهر من كلامه ـ : عدم إمكان جعل الطريقين لواقع واحد ؛ لا مجرّد العلم بكذب أحد الخبرين ، فيندفع الإيرادان الأخيران ؛ فتدبّر.
ثمّ إنّ بعض الأعلام من تلامذة المحقق المذكور (١) تبعه في أصل التفصيل ، إلا أنّه خالفه في تقرير المطلب ، ومحصّل ما ذكره : أنّ الدليل لا يمكن أن يشمل شيئا من المتعارضين ، لكونه ظاهرا في الوجوب العيني الغير الممكن إرادته ، والحمل على التخيير خلاف ظاهره ، مع أنّه مستلزم للاستعمال في معنيين ، ولا فرق في ذلك بين القول بالطريقيّة والموضوعيّة ؛ بل الحال كذلك في سائر الواجبات المتزاحمة ،
__________________
(١) الميرزا الرشتي في رسالة التعارض الملحقة ب بدائع الأفكار : ٤١٥ ـ ٤١٦.