في جميع المرجّحات ؛ إذ بعضها له واقعيّة كموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، فلا يتمّ الوجه المذكور كليّة ، والثاني مدفوع بأنّ أصل (١) العدم لا يجري إلا فيما كان له حالة سابقة عدميّة ، وليس جميع المرجّحات كذلك ؛ إذ مثل موافقة الكتاب لا يمكن أن يقال الأصل عدمه ؛ لأنّ الشك إنّما هو في كون الخبر صادرا موافقا أو مخالفا ، فلم يكن سابقا غير موافق ، حتى يقال الأصل بقاؤه على عدم الموافقة ، وأصالة (٢) عدم الصدور موافقا لا تثبت اتصاف الخبر بعدم الموافقة (٣) .. وهكذا في مخالفة العامّة فالمقام نظير الماء الموجود دفعة المشكوك في كونه كرّا أو قليلا ، فإنّه لا يمكن أن يقال الأصل عدم كرّيّته ، وأصالة عدم وجود الكر أو عدم وجود الكريّة لا تثبت الاتصاف ، فلا يجري عليه حكم غير الكرّ ، نعم إذا شكّ في تحقق الشهرة بالنسبة إلى أحد الخبرين يمكن إجراء أصالة عدمها ، فلا يتمّ هذا الوجه أيضا كليّة.
فمقتضى القاعدة فيما لا يتم فيه أحد الوجهين الحكم بالتوقف ، ونفي الثالث ، للعلم بأنّ الحكم غير خارج عن الخبرين ، هذا إذا احتمل ترجيح كلّ منهما والتساوي ، وإن كان الاحتمال خاصّا بأحدهما فالمتعيّن الأخذ به ، لأنّه من دوران الأمر بين التخيير والتعيين ؛ فتدبّر!.
وكيف كان ؛ فالتعادل (٤) عبارة عن عدم مزيّة لأحد الخبرين على الآخر ، بأن لا يكون هناك مرجّح في أحدهما ، أو كان لكلّ واحد منهما ـ ولو مع الاختلاف في النوع ـ وعلى هذا العنوان ، فإذا كان مع أحدهما مرجّح غير معتبر ، يكون ملحقا بالتعادل لا أنّه داخل فيه موضوعا ، والأولى أن يجعل العنوان عدم المزيّة المعتبرة لتكون الصورة المفروضة داخلة في موضوع التعادل.
ثمّ إنّه حكي عن العميدي أنّه قال (٥) : التعادل عبارة عن تساوي مدلولي الدليلين
__________________
(١) في نسخة (د) : الأصل.
(٢) في نسخة (د) هكذا : .. على عدم الموافقة أصالة عدم الصدور.
(٣) فإنّ استصحاب العدم الأزلي لا يثبت ما كان ثبوته بنحو العدم النعتي ، وبعبارة أخرى : إنّ إثبات مفاد كان التامّة لما كان بنحو مفاد كان الناقصة مثبت ، والمثبت ليس بحجّة.
(٤) في نسخة (ب) هكذا : فالمقام الأول في التعادل وهو ..
(٥) حكاه عنه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٦٧٩.