جعلهما معا ؛ لأنّه مستلزم للتناقض إذا كان مؤداهما نقيضين (١) ، ولا فرق في بطلان التناقض بين أن يقول افعل ـ لا تفعل ، وبين أن يقول اعمل بمؤدى قول زيد وعمرو ، والمفروض أنّ أحدهما يقول قال الإمام (٢) عليهالسلام «أفعل» ، والآخر يقول إنّه قال : «لا تفعل» ، خصوصا بناء على الطريقيّة ، وخصوصا بناء على أنّ الجعل في الحقيقة إنّما هو بالنسبة إلى المؤدّى ، وأنّه لا معنى لجعل الطريقية (٣) إلا جعل مؤدى الخبر حكما ، نعم يمكن في هذه الصورة جعل أحدهما مخيّرا ، بأن تكون الحجّة من الأول أحدهما مخيرا (٤).
لا أن يكونا معا (٥) حجّة ، ويحكم العقل أو الشرع ـ من جهة عدم إمكان الجمع ـ بالتخيير.
لكنّ ما ذكرنا إنّما يتمّ إذا كان الجعل واردا على الدليل على نحو العموم ، بأن يكون المجعول كلّ خبر مثلا.
وأمّا إذا كان بنحو القضيّة الطبيعيّة بأن يجعل في الخبر صفة الكاشفيّة ؛ بنحو جعل الحكم الوضعي ، فالظاهر أنّه ممكن ، وفي صورة المعارضة تكون كالأمارات العقليّة التي هي منجعلة ـ ولها بنفسها صفة الكاشفيّة ـ على نحو الاقتضاء ، ولازمه التساقط في مقام التعارض إذا لم يكن لأحدهما ما يوجب تعيينه ، هذا ولو قلنا بإمكان جعلهما عقلا ، وعدم لزوم التناقض ، فلا إشكال في الجواز الشرعي.
وما ذكره المانعون من لزوم العبث والقبح ممنوع ؛ ودليلهم عليل ؛ فإنّهم قالوا لو جعلهما حجّة :
فإمّا يجب العمل بكل منهما ، أو بأحدهما معينا أو مخيرا ، إذ لا يجب العمل
__________________
(١) كما لو كان أحدهما يأمر والآخر ينهى ، فجعل كل منهما يستلزم التكليف بالفعل وبالترك في نفس الآن ، فهو تكليف بالنقيضين ، وهو محال.
(٢) في نسخة (ب) و (د) : والمفروض أنّ أحدهما يقول : إنّ الإمام عليهالسلام يقول ...
(٣) من قوله «الطريقيّة» إلى هنا ، لا يوجد في نسخة (د).
(٤) في نسخة (ب) : المخيّر.
(٥) في نسخة (ب) : بدل كلمة «معا» كلمة «إلا».