منهما (١) ، فيترتب على جعلهما تعيين المكلّف به ؛ ولو تخييرا ، ومع عدم جعلهما ربّما يتكل على الأصول ، ويقع في مخالفة الواقع ، وهكذا غير ذلك من أمثلة متعلّقات التكاليف ـ وضعيّة وتكليفيّة ـ ؛ قال : بل لا نزاع في مثل هذا ، وإنّما الإشكال والنزاع في جعلهما في نفس الحكم الشرعي من غير فرق بين الحرمة والإباحة وغيرها من الأحكام ، ولو كان ظاهر التهذيب اختصاصه بهما ، وفي هذه الصورة نقول :
لا يمكن جعلهما إذا قلنا بالتخيير الاستمراري في المتعادلين ، كما هو ظاهر الأصحاب ، وذلك للزوم العبث في جعلهما ؛ لأنّ الغرض منه إمّا العمل بهما أو بأحدهما معيّنا أو طرحهما ، أو التخيير ، والأول تكليف بالمحال (٢) ، والثاني ترجيح بلا مرجح ، والثالث عبث في وضعها (٣) ، وكذا الرابع ، إذ ـ بعد فرض كون المكلّف مخيرا على وجه الاستمرار فلا ثمرة في الجعل ، إذ مع عدم الجعل أيضا يكون مخيّرا عقلا ؛ بل يرجع في مثال الحظر والإباحة إلى ترجيح الإباحة كما لا يخفى.
نعم ؛ لو كان التخيير بدويا فالثمرة هو تعيين (٤) ما اختار أولا ، وعلى تقدير عدم الجعل لا يتعين شيء.
ودعوى أنّ قصد القربة ممكن على تقدير الجعل ولو كان التخيير استمراريا فهو الفائدة في الجعل ، إذ مع عدم الجعل لا يمكن الإتيان بقصد القربة مدفوعة بمنع توقف القربة على الأمر ، بل احتماله كاف ؛ مع أنّ الكلام في ترتب الثمرة في غرض (٥) الجعل وهو الإيصال إلى الواقع ، والمفروض فقدها من تلك الجهة ، مضافا إلى أنّ القربة من آثار الأمر الموقوف تحققه على (٦) القربة ؛ لكونها ثمرة لوجوده ، وهو دور واضح.
__________________
(١) في نسخة (ب) : يعين كلّ واحدا منها ، وفي نسخة (د) : يعين كل واحد منهما.
(٢) قد تقدم منه أنّه يعد تكليفا بالمتعارضين «أو : المتباينين» وهو محال صدوره من الحكيم.
(٣) في نسخة (ب) : في وضعهما.
(٤) في نسخة (ب) : تعين.
(٥) الكلمة غير واضحة في النسخ ؛ ويحتمل أن تكون : خصوص.
(٦) في نسخة (ب) : مع القربة.