وبعبارة أخرى : القربة لا تكون إلا بعد الأمر ، والكلام بعد في وجوده ، ومطالبة الثمر في جعله.
فإن قلت : إذا كان الوجوب والحرمة تعبديين فيمكن الثمر في جعلهما ، والأخذ بأحدهما بعنوان التعبد ثمر لا يترتب على تقدير عدم الجعل ؛ سيّما مع أنّه إذا رجع إلى الأصل تكون مخالفة للواقع قطعا.
قلت : ـ مضافا إلى ما فيه (١) في نفسه ـ يمكن أن يقال : إنّ هذه الصورة ترجع إلى تعيين المكلّف به ؛ لأنّه يعلم بوجوب التعبّد عليه مردّدا بين الفعل والترك ، فيرجع (٢) إلى ما قلنا فيه بالجواز ، فهذه الصورة خارجة عن محلّ إشكالنا ، ثمّ حكى عن العميدي أنّه قال : إنّ المراد بالإباحة بعد الجعل إن كان هي الرخصة العقليّة (٣) التي كانت قبله ؛ فالحق مع المانع ، وإن كان هي (٤) الإباحة الشرعيّة فهي فائدة من الجعل ، ولم تكن قبل ، فالحق مع المجوز.
وقال : إنّ هذا محاكمة بين الفريقين ؛ لكنّ فيه : أنّه أيضا ليس ثمرة عمليّة ، إذ لا فرق في مقام العمل بين الإباحتين ، فلا يمكن أن يجعل هذا ثمرة في الجعل ، فإذا الحق مع المانع ؛ انتهى.
قلت : لا يخفى ما فيه من أوله إلى آخره ؛ إذ ما ذكره :
أولا : من أنّهما إذا كانا في تعيين المكلّف به فالفائدة هو التعيين ، وعلى تقدير عدم الجعل ربّما يقع في مخالفة الواقع ، فيه : أنّ العلم الإجمالي يمنع من الوقوع في مخالفة الواقع ، ولو قال إنّ الفائدة عدم لزوم الجمع بينهما الذي هو مقتضى العلم الإجمالي كان أولى ، إذ على تقدير الجعل يكون مخيّرا ؛ لكنّه أيضا ممنوع ، إذ مع قطع النظر عن الأخبار الدالّة على التخيير مقتضي القاعدة ـ ولو بعد جعل الخبرين ـ الاحتياط بالعمل بهما ؛ إذ المفروض إمكانه ، فلا يكون من التزاحم ، ولو مثل بما لم يكن علم إجمالي ، وكان كلّ واحد من الخبرين يعيّن شيئا ؛ بحيث لو لا هما لم يحكم
__________________
(١) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة (ب).
(٢) في نسخة (د) : فرجع.
(٣) في نسخة (ب) و (د) هكذا ، وكانت في نسخة الأصل : الفعليّة.
(٤) في نسخة (د) : بين.