المحذورين ، ولا يمكن فيه إرجاء العمل والاحتياط.
قلت : الاحتياط (١) يمكن تصوره (٢) إذا كان الوجوب على تقديره موسّعا ، فإنّه يمكن تأخير العمل بأن لا يفعل ولا يترك بعنوان الحرمة ؛ بل يترك بعنوان الاحتياط ، وبعد السؤال إن كان الحكم الوجوب فيأتي به ، وإن كان الحكم الحرمة فيترك في بقيّة المدّة أيضا ، فالاحتياط في هذه الصورة ممكن في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة ، ويؤيد ما ذكرنا من الاحتمال خبر سماعة بن مهران (٣) حيث قال عليهالسلام في خبرين أحدهما يأمر والآخر ينهى «لا تعمل بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأل عنها ، فقلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما؟ قال : خذ بما فيه خلاف العامّة».
ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من الحكم بإجمال هذه الرواية من جهة نهيه عن العمل بواحد منهما حتى يسأل ، مع أنّ الأمر دائر بين المحذورين ، ولا يمكن عدم العمل بواحد منهما ؛ فتدبّر!.
وربّما يستشكل في دلالة الرواية : بأنّ موردها الدوران بين الوجوب والحرمة ، وفي هذا المورد العقل يحكم بالتخيير ، فحكم الإمام عليهالسلام بالتخيير بين الخبرين يكون إرشادا إلى حكم العقل ، فلا ينفع في التخيير في سائر المقامات.
قلت :
أولا : بعد ما ذكرنا من الاحتمال نمنع كون العقل حاكما بالتخيير ، لإمكان الاحتياط بالوجه الذي ذكرنا.
وثانيا : إنّ حكم الإمام عليهالسلام إنّما هو بالتخيير بين الخبرين ، والعقل لا يحكم إلا بالتخيير بين الفعل والترك ؛ لا التخيير بين الخبرين إلا أن يحمل التخيير الشرعي أيضا على العملي ، وهو بعيد ، مع إنّه إذا ثبت التخيير بين الخبرين ـ ولو تخييرا عمليّا في الصورة المذكورة ـ يتم في غيرها بالإجماع المركّب ، إذ لا قائل بالفصل مع الحكم بالتخيير بين الخبرين.
__________________
(١) قوله «الاحتياط» لا يوجد في النسخة (ب) و (د).
(٢) في نسخة (د) : تصويره.
(٣) الاحتجاج : ٢ / ١٠٩ ، عنه : وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ٤٢.