وجوبا فوجوبا وإن حرمة فحرمة ، فلو قلنا بعدم الشركة في الأصول أو بعدم جريان التقليد فيها أيضا نقول : له لن يفتي بالتخيير ؛ لأنّه لازم التخيير في الأخذين الذي هو مسألة أصوليّة ، وهذا بخلاف مسألة الإقامة وعدمها ، حيث إنّ القصد وعدمه غير الإتيان بالقصر والإتمام (١) ، ولهذا لو صلّى بدون القصد والبناء على الإقامة أو العدم بطلت.
وأمّا فيما نحن فيه فمجرّد موافقة أحد الخبرين كافية في الصحّة ، ولا يحتاج إلى البناء كما في صورة كون الخبر بلا معارض ، فإنّه بعد العلم به وكونه واجب العمل لا حاجة إلى مئونة شيء وراء العمل على طبقه.
فتحصّل أنّ التحقيق أنّ الاختيار ليس من تتمات الاستنباط وإن كان الخبران (٢) حجّة فعليّة بعنوان التخيير ، وأنّ التخيير بينهما مسألة أصوليّة وأنّه لا شركة في الأصول بما هي ، بل باعتبار ملازمته للفروع ، وأنّه لا تقليد في الأصول ـ على فرض الشركة ـ إلا من حيث إنّه عين التقليد في الفروع ، ومع ذلك فالمقلّد مخير كالمجتهد.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وقع لما يمكن أن يتخيّل في المقام من أنّ المقلّد لا بدّ أن يكون موافقا للمجتهد في الحكم ؛ لأنّه تابع له ، وعلى الإفتاء بالتخيير يلزم المخالفة ؛ لأنّه يختار خلاف ما اختاره (٣) المجتهد ، والفرق بين المقام وبين خصال الكفارة إذا اختار المقلّد خصلة غير ما اختاره المفتي أنّ كلّا من الخصلتين ليس متعلقا لحكم على حدة ، بخلاف مقامنا ؛ فإنّ مفاد كل من الخبرين حكم على حدة ؛ لأنّ المفروض أنّ أحدهما دالّ على الوجوب مثلا ، والآخر على الحرمة .. وهكذا ، وذلك لأنّ التبعيّة في أصل التخيير بين الحكمين كافية ولا يحتاج إلى أزيد من ذلك ، وإن شئت فقل إنّ التخيير إنّما هو بين الإتيان بعنوان الوجوب ، والترك بعنوان الحرمة فهذان الأمران نظير الخصلتين في أنّهما موردا الوجوب التخييري ، وإن كانت خصوصيّة كلّ منهما أيضا حكما شرعيّا ، فتدبّر.
__________________
(١) كلمة «والإتمام» لا توجد في نسخة (ب) وفي نسخة (د) : والتمام.
(٢) في نسخة (د) : وأنّ كلا الخبرين.
(٣) في نسخة (ب) : نختار ، وفي نسخة هكذا : لأنّه قد يختار خلاف مختار المجتهد.