ثمّ لازم (١) ما ذكرنا من البيان أنّه يجب الإفتاء بالتخيير ولا يجوز الإفتاء بالمختار ؛ لأنّه إلزام بأحد الطرفين من غير ملزم ، وهو خلاف حكم الله.
فإن قلت : لازم ذلك عدم جواز التعيين في مقام القضاء أيضا ؛ لأنّ الحكم الشرعي إذا كان هو التخيير فكيف يقضي بخلاف حكم الله؟
قلت : إنّا نقول (٢) في صورة (٣) النزاع : التخيير ـ الذي هو حكم الله ـ مختص بالقاضي ، ولا يكون المترافعان مخيّرين ، بل يجب عليهما البناء على ما عينه القاضي ، فأدلّة التخيير غير شاملة لهما أصلا ؛ للزوم التشاجر ، بل أقول ـ بعد تعيين القاضي ـ ليس عملهما بالخبر الذي اختاره القاضي ، بل عليهما العمل بحكمه.
والحاصل : أنّ أدلّة التخيير خاصّة بغير صورة النزاع ؛ لأنّه لا يمكن التخيير فيها ، نعم هي شاملة للقاضي ؛ لأنّ القضاء عمله الخاص به ، فموضوع التخيير في هذه الصورة شخص خاص لا كل المكلّفين ، نعم غيره أيضا شريك معه لا في واقعة النزاع ، بل في سائر الوقائع ، فتدبّر إن كانت مماثلة لواقعة النزاع (٤).
فظهر من ذلك كله وجه القول بتعيين الفتوى بالمختار ، والقول بتعيين الفتوى بالتخيير.
وأمّا وجه القول بالتخيير بين الأمرين ـ وهو مختار شارح الوافية (٥) على ما يظهر منه ـ فهو أنّ كلّا من التخيير والمختار حكم شرعي ، فله الإفتاء بكلّ منهما سواء قلنا إنّ التخيير راجع إلى المسألة الفرعيّة أم لا ، أمّا على الثاني فواضح لكنّه يتوقف على جواز الفتوى بالمسألة الأصوليّة والتقليد فيها بعد الحكم بالاشتراك ، وأمّا على الأول فلأنّه كان (٦) هناك حكمان فرعيّان أحدهما التخيير بين الإتيانين والثاني
__________________
(١) في نسخة (د) : ثمّ إنّ لازم.
(٢) في نسخة (ب) : لا نقول ...
(٣) في نسخة (د) : إنّ في صورة.
(٤) في نسخة (ب) هكذا : إن كانت مماثلة لواقعة النزاع فتدبر ، وفي (د) مثلها إلا أنّه كتبت : وإن
(٥) الوافية : ٣٣٤.
(٦) كلمة «كان» لا توجد في النسخة (ب) ، وفي نسخة (د) : كأنّه.