وأمّا الإشكالات الواردة على بعض المرجحات المذكورة : فقد أورد على الترجيح بالأصدقيّة والأورعيّة والأعدليّة : أنّ هذه الصفات لا توجب إلا الأقربية إلى الصدور (١) ؛ مع إنّ المقصود في الترجيح الأقربيّة إلى الواقع.
وفيه منع ذلك ؛ فإنّ المقصود قوّة أحد الخبرين في الطريقيّة ، ومن المعلوم حصولها بها ، وليس المناط القرب إلى الواقع حسبما عرفت سابقا ، مع إنّها من حيث هي توجب الأقربيّة إلى الواقع أيضا ، لأنّ الأقربيّة إلى الصدور أقربيّة إلى الواقع ، إلا أن يعارض في خصوص مقام بما يوجب أقربيّة الآخر من جهة أخرى ، والكلام في صورة تساوي الخبرين من سائر الجهات ، فإذا كانا في احتمال التقيّة وغيرها من الجهات متساويين ، وكان راوي أحدهما أعدل فلا شكّ أنّه أقرب إلى الواقع من حيث إنّه أقرب إلى الصدور ، مع إنّه ـ على فرض اختصاص احتمال التقيّة بخبر الأعدل بأن علم أنّ الخبر الآخر ليس صادرا على وجه التقيّة ، واحتمل صدور هذا تقيّة ، لا بأن يكون موافقا للعامّة من حيث إنّه أحد المرجحات فيصير من التعارض بين المرجحين ؛ إذ الظاهر إرادة المتكلم ظاهر كلامه ، فيكون مظنون المطابقة للواقع نوعا ، من حيث إنّه مظنون الصدور نوعا ؛ بملاحظة كون راويه أعدل ، لهذا كلّه بناء على كون المرجّحات معتبرة من باب الظن.
وأمّا بناء على تعبّديتها ـ كما هو مذهب الأخباريّة وصاحب المناهج ـ فالأمر أوضح ، إذ ليس الملاك القرب إلى الواقع ، ولا القرب إلى الصدور ، ومن هذا الأخير يظهر الجواب عن الإشكال على الترجيح بالأحوطيّة ، حيث إنّ موافقة الاحتياط لا توجب قوّة في أحد الخبرين أصلا ، لكنّ الإنصاف عدم الترجيح به من جهة ضعف المرفوعة ، ولا دليل عليه غيرها.
ودعوى دلالة العمومات الواردة في الاحتياط كليّة كما ترى ؛ لأنّها محمولة على الاستحباب ، بقرينة أخبار البراءة ، مع إنّ المراد منها الاحتياط في المسألة الفرعيّة كليّة ، لا الأخذ به في الجملة ؛ كما في المقام ، حيث إنّ مقتضى الترجيح به هو الأخذ بالاحتياط في صورة كون أحد الخبرين موافقا له ، لا للعمل به مطلقا ، كما هو مفاد
__________________
(١) لا توجد في نسخة (د) كلمة «إلى الصدور».