كلّ زمان وكل بلد في الكتب ، وليس المراد من مخالفة ميل حكّامهم الميل النفساني ، بل فتواهم وقولهم ، ووجه كون المدار على فتوى الحكّام والقضاة دون البقيّة أنّ التقيّة منهم غالبا.
ثمّ إنّه يمكن أن لا يختص هذا بقضاة زمان الإمام عليهالسلام ، بل يكون المدار على قاضي كل زمان وكل بلد بالنسبة إلى أهل ذلك الزمان وذلك البلد ، بناء على أنّ الوجه في الترجيح محبوبيّة مخالفتهم ، لا التقيّة.
وأمّا الأعدليّة وأخواتها فحالها حال العدالة المشترطة في حجيّة الخبر : المدار فيها على ما يستفاد من المراجعة إلى الرجال وأقوال أهله ، وليس المدار فيها على العلم ، بل يكفي الوثوق والاطمئنان ، وإلّا لزم عدم حجيّة الخبر الواحد ؛ لأنّ الشرط فيها العدالة الواقعيّة ، ولا سبيل إلى العلم بها ، فكما يكتفى بالظن في أصل العدالة فكذا في الأعدليّة ؛ مع إنّ المعيار كون أحدهما أوثق في النفس ، على ما يستفاد من المرفوعة ، ومن قوله في المقبولة «لا يفضل أحدهما على الآخر» (١) حيث إنّه يستفاد منه أنّ المعيار مجرّد زيادة أحدهما على الآخر ، وظنّ الأعدليّة زيادة كما لا يخفى.
ثمّ لا يخفى أنّه لا وجه لما ذكره من الرجوع حينئذ إلى أخبار التخيير ، إذ المفروض أنّها مخصّصة بالأمور المذكورة ، فبمجرد عدم إمكان الاطلاع عليها لا تكون ساقطة واقعا حتى يكون المرجع تلك المطلقات ، إلا أن يراد أنّه مع (٢) الشك في وجودها ندفعها بالأصل بعد عدم حجيّة الظن بوجودها ؛ لكنّ هذا إنّما يتم مع تحقق حالة سابقة لعدم وجودها ، وتصويره مشكل في بعضها مع إنّه خارج عن كلامه ، إذ ظاهره التمسك بالإطلاق بمجرّد عدم العلم بها ، مضافا إلى أنّه لو فرضنا العلم الإجمالي بوجود بعضها لا يمكن النفي بالأصل أيضا فتدبر!
وكيف كان ؛ فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وقع لشيء من الإشكالات المذكورة ، وأنّ جملة المرجّحات المنصوصة ثلاثة عشر ؛ الصفات الخمسة المذكورة في المقبولة
__________________
(١) سبق تخريجها.
(٢) في النسخة : كتب الحرف (خ) على كلمة (أنّه) ، والحرف (م) على كلمة (مع) ، والمقصود تقديم المتأخر وتأخير المتقدم من الكلمتين ، ولعله اشتباه ، وذلك لاستقامة العبارة هكذا.