أحد الخبرين على وجوب ما يوجب ضيقا وحرجا على النوع ، بل أو (١) على الشخص أيضا ، والآخر على عدمه بحيث لو لا الثاني لخصصنا أدلّة العسر والحرج بالخبر الأول مثل الأخبار الدالّة على وجوب شراء الماء ـ مثلا ـ للوضوء ، ولو بأضعاف القيمة ؛ فتدبّر!
وهذا نظير ما يقال : إنّ الترجيح بموافقة عمومات الكتاب الدالّة على البراءة مثل قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢) .. ونحوه ، إنّما (٣) إذا دلّ أحد الخبرين على البراءة والآخر على الاحتياط ، ولا يشمل ما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء واقعا والآخر على عدم وجوبه واقعا ؛ فإنّه لا يمكن أن يقال بترجيح الثاني لموافقته لعموم قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ) .. إلى آخره.
ثمّ إنّ صاحب المناهج (٤) ذكر في تعداد المرجّحات المنصوصة وجها لا يخلو عن حزازة قال :
هي ثمانية : الأول الأخذ بالأخير والأحدث ، الثاني بالمجمع عليه ، الثالث بموافقة الكتاب والسنّة ومخالف العامّة ، الرابع والخامس والسادس بكل منها فقط ، السابع بالموافق للكتاب وحديثهم ، الثامن بما يخالف ميل الحكّام والقضاة من العامّة ، وترك الصفات ؛ لأنّها من مرجّحات الحكمين دون الراويين.
ثمّ إنّه جعل المعتبر منها ثلاثة : الأحدثيّة وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة.
واستشكل في البقيّة ؛ فراجع ، وقد أشرنا إليه سابقا وآنفا.
واقتصر صاحب الحدائق أيضا في الدّرر النجفيّة (٥) على ثلاثة من المذكورات :
الموافقة للكتاب ، ومخالفة العامّة ، والشهرة والشذوذ ، وسيأتي نقل كلامه ، وقد تبع في هذا الاقتصار الكليني في الكافي (٦) حيث إنّه أيضا لم يذكر إلا هذه الثلاثة قال :
__________________
(١) هكذا في النسخة.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) في نسخة (د) : إنّما هو.
(٤) مناهج الأصول : ٣١٧.
(٥) الدرر النجفيّة : ١ / ٢٩٢ ، وأشار هناك إلى ما في ديباجة الكافي.
(٦) الكافي : ١ / ٨.