اعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء برأيه إلا على ما أطلقه العالم عليهالسلام بقوله عليهالسلام «اعرضوهما (١) على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله عزوجل فردّوه» (٢) ، وقوله عليهالسلام «دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم» (٣) ، وقوله (عليهالسلام) «خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه ممّا لا ريب فيه» (٤) ، ولا نعرف (٥) من جميع ذلك إلا أقله (٦) ، ولا نجد شيئا أحوط من ردّ علم ذلك كله إلى العالم عليهالسلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليهالسلام :
«بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» .. انتهى.
وقد يقال (٧) : إنّه ترك الأعدليّة والأوثقيّة ؛ لأنّ الترجيح بذلك مركوز في أذهان الناس غير محتاج إلى التوقيف ، وعن بعض الأخبارين (٨) : إنّ وجه إهمال هذا المرجّح كون أخبار كتابه كلها صحيحة.
أقول : والأولى أن يقال إنّه لم يفهم من المقبولة كون الصفات من مرجّحات الراوي ولا دليل عليها غيرها عنده ، والمفروض أنّه لا يتعدى عن النص ، وكيف كان فظاهر كلامه اعتبار هذه الثلاثة ، وإن كانت قليلة ؛ لكن يظهر من صاحب الحدائق استظهار كون مذهبه التخيير مطلقا من العبارة المذكورة ، فإنّه قال في الدّرر النجفيّة (٩) : المستفاد من كلام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في ديباجة كتابه الكافي أنّ مذهبه فيما اختلفت فيه الأخبار هو القول بالتخيير .. ، ثمّ نقل عبارته المتقدمة
__________________
(١) في الكافي : أعرضوها.
(٢) عنه أخذ وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩ ، وكلمة العالم في الاصطلاح يشار بها للإمام الكاظم عليهالسلام إلا أنّ هذه الرواية قد وردت عن الصادق عليهالسلام.
(٣) الكافي : ١ / ٦٧ ، عنه وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ١٩.
(٤) هذا المقطع من مقبولة عمر بن حنظلة ؛ الكافي : ١ / ٦٧ ـ ٦٨ ، وعنه أخذ وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث الأول.
(٥) في الكافي : ونحن لا نعرف.
(٦) في نسخة (د) : من جميع ذلك أقله.
(٧) القائل به هو الشيخ الأعظم في فرائده : ٤ / ٧٦.
(٨) حكى هذا المعنى المحدث البحراني في الحدائق الناضرة عن بعض مشايخه : ١ / ٩٧.
(٩) الدرر النجفيّة : ١ / ٣٠٨.