وشرحها بما سيأتي ، ثمّ قال (١) : وبما شرحناه يظهر ما في كلام المحدّث الاسترابادي من الغفلة ، وحاصل ما نقله عنه من الغفلة أنّه نسب إلى الكليني القول بوجوب الترجيح بالأمور المذكورة ، وأنّ التخيير عند عدم ظهور شيء منها ، ثمّ أورد عليه : أنّ الكليني وإن ذكر هذه المرجّحات إلا إنّه أعرض عنها معتذرا بأنّه لا يعرف من جميع ذلك إلا أقلّه وتخطّاها واعتمد على القول بالتخيير مطلقا.
أقول : الكليني لم يعرض عنها مطلقا ، بل في صورة عدم معرفتها ، وعدم العلم بها ، وكيف كان ؛ قال في الدّرر النجفيّة (٢) ـ بعد نقل عبارة الكليني ـ قوله :
ونحن لا نعرف .. إلى آخره : الظاهر أنّ معناه أنّا لا نعرف من كل الضوابط الثلاث إلا الأقل ، ويمكن توجيهه بأن يقال أمّا بالنسبة إلى الكتاب العزيز فلاستفاضة الأخبار بأنّه لا يعلمه على التحقيق إلا أهل البيت ، والقدر الذي ربّما يمكن الاستناد إليه من الأحكام الشرعيّة ـ مع قطع النظر عن تفسيرهم عليهمالسلام ـ أقل قليل ، ففي جملة من الأخبار في تفسير قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا)(٣) الآية .. دلالة على اختصاص ميراث الكتاب بهم عليهمالسلام ، ومثله جملة أخرى وردت في تفسير قوله تعالى (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(٤) .. إلى أن قال : وأمّا بالنسبة إلى مذاهب العامّة فإنّه لا يخفى على من وقف على كتب السير والآثار ، وتتبع القصص والأخبار ممّا عليه مذهب العامّة في الصدر الأول من التعدد والانتشار ، واستقرار مذاهبهم على هذه الأربعة المشهورة إنّما وقع في سنة خمس وستين وستمائة ، كما نبّه على جميع ذلك جملة من علمائنا وعلمائهم ، وحينئذ فإذا كانت مذاهبهم غير منحصرة في عدّ ، ولا واقفة على حدّ ؛ فكيف يتيسر لنا الآن العرض عليها لنأخذ بخلافها؟ على أنّ المستفاد من جملة الأخبار أيضا وقوع التقيّة في فتواهم عليهمالسلام وإن لم يكن على وفق شيء من أقوال العامّة ، كما حققناه في محلّ آخر.
وأمّا بالنسبة إلى المجمع عليه فإن أريد بالنسبة إلى الفتوى ؛ فهو ظاهر التعسر ،
__________________
(١) الدرر النجفيّة : ١ / ٣٠٨.
(٢) الدرر النجفيّة : ١ / ٣٠٥.
(٣) فاطر : ٣٢.
(٤) العنكبوت : ٤٩.