هذه الحيثيّة لا تكون ظاهرة في الفعليّة (١) من سائر الجهات ثابتة بالإطلاق ، فلا يمكن إثبات التنجز بمجرّد الظهور اللفظي بل انّما هو بحكم العقل ؛ فإذا قال الشارع «الغنم حلال» يؤخذ بظاهره لإثبات الحلّيّة عند الشك في أنّ كونه أبيض أو أسود أو مال الغير أو مال نفسه موجب للحرمة أو لا ، إذا كان في مقام البيان بالنسبة إلى ذلك وأمّا إذا قال أنقذ الغريق فلا يمكن أن يقال إنّ مقتضى إطلاقه ثبوت الوجوب ولو مع العجز ، إلا أنّ العقل يقيده بغير هذه الصورة ، بل هو ليس متكفّلا لبيان ذلك أصلا فلا يكون من التقييد في شيء.
فإن قلت : أليس القدرة من الشرائط العامّة لجميع التكاليف فكيف يمكن القول ببقاء كل من الدليلين على حاله وإثباته الوجوب مع أنّ المفروض العجز عن الإتيان بمقتضاه؟ فلا بدّ من التقييد في أحدهما أو كليهما بإثبات التنجز.
قلت : نمنع كون القدرة شرطا في جميع المقامات لأصل الحكم بل هي في بعضها شرط في الفعليّة وفي بعضها شرط في أصل التكليف ، والمقام من الأول ، والفرق أنّه قد يكون في الفعل مصلحة تامّة للايجاب والعجز لا يعتبره عن مصلحته إلا أن المكلّف لا يقدر على العمل على طبقه وإدراك تلك المصلحة (٢) الفعل مقيدة بالقدرة بحيث لا مصلحة فيه مع العجز ، ففي الصورة الأولى يثبت الحكم في حد نفسه نظير ثبوت الحكم الواقعي حال الجهل أو يكون المكلّف معذورا لعجزه فهو تارك للواجب لعذره لا أنّه ليس واجبا ، وفي الثانية لا يجب عليه أصلا ، ولذا لو فرضنا أهميّة أحد الواجبين وحكمنا بوجوب اختياره لو أتى بالآخر الغير الأهم عصيانا ، أو نسيانا ، نحكم بصحته ، ولو كان من باب التقييد وسقوط الطلب أصلا لم يكن وجه لصحته.
فتبيّن أنّه لا مانع من إبقاء كل من الدليلين على حاله ، وعدم كونه من التقييد أصلا.
هذا وقد يقال في توجيه عدم كون المقام من التقييد أنّه إذا كان منه فلا بدّ من كون الآمر ملاحظا له في أمره ولا يمكن لحاظه فيه ، لأنّ المفروض أنّ المزاحمة إنّما هي
__________________
(١) بعدها في نسخة (ب) : وإلا فالفعليّة ...
(٢) بعدها في نسخة (ب) : وقد تكون مصلحة ...