ثمّ على فرض كون المدار على الأقربيّة إلى الواقع أو إلى الصدور ، وإن لم تكن أمارة نوعيّة نقول : إنّ جميع ما ذكروه من المرجّحات ليس كذلك ؛ بل جملة منها لا تفيد الأقربيّة أيضا كما لا يخفى! مثل الفصاحة والركاكة ؛ لاحتمال كون اللفظ للراوي بأن يكون ناقلا بالمعنى ، وأولى منها الأفصحيّة ؛ لعدم كون بناء الائمة عليهمالسلام بل النبي صلىاللهعليهوآله أيضا على التعبير بالأفصح إلا في الخطب ونحوها ، وكذا اضطراب المتن إذا لم يكن مخلا بالمعنى المراد ، وهكذا جملة من صفات الراوي كالحريّة والعبديّة والعمى والبصر ، وكون أحدهما زيديّا والآخر فطحيّا ، بدعوى أنّ الثاني أرجح في الإماميّة حيث إنّه قال بإمامة أزيد ممّا يقوله الأول .. إلى غير ذلك ممّا ذكروه.
هذا ولعلّه إلى ما ذكرنا من أنّ المدار على الظن النوعي دون مجرّد الاحتمال نظر صاحب المفاتيح (١) حيث إنّه ـ بعد ما ذكر جملة من المرجّحات السنديّة والمتنيّة ـ قال ـ على ما حكي عنه ـ : إنّ المرجّحات المذكورة في كلماتهم للخبر من حيث السند أو المتن بعضها يفيد الظن القوي ، وبعضها يفيد الظن الضعيف ، وبعضها لا يفيد الظن أصلا ، ثمّ حكم بحجيّة الأولين ، واستشكل في الثالث من حيث إنّ الأحوط الأخذ بما فيه المرجّح ، ومن إطلاق أدلّة التخيير ، وقوّى الثاني بناء على أنّه لا دليل على الترجيح بالأمور التعبديّة في مقابل إطلاقات التخيير.
فإنّ الظاهر أنّ غرضه أنّ بعضها يفيد الظن النوعي القوي أو الضعيف ، وبعضها لا يفيد ، لا أنّ بعضها يفيد الظن الفعلي وبعضها لا يفيد ، وإلا كان الأولى أن يقول (٢) : إنّ هذه المرجّحات قد تفيد الظن وقد لا تفيد ، وحينئذ فإشكاله في محلّه ؛ لأنّ مقتضى الإطلاقات التخيير مطلقا ، خرج ما يكون معه أمارة نوعيّة توجب قوّته ، بقي الباقي.
هذا ؛ ولكنّ الشيخ المحقق الأنصاري صرّح في الرسالة (٣) بأنّ المدار مطلق الاحتمال الموجب لأقربيّة أحد الخبرين إلى الواقع ، وإن لم يكن من الظن النوعي
__________________
(١) مفاتيح الأصول : ص ٦٩٨.
(٢) في النسخة : يقولا.
(٣) فرائد الأصول : ٤ / ١١٦ ـ ١١٧.