فإن بنى على الكبير المعتبر مطلقا حتى في صورة الظنّ بعدمه ؛ تعيّن المصير إلى الثاني في البحث المتقدم ؛ لاتّحادهما موردا في المآل ، ضرورة لزوم متابعة المرجّح في الصور الثلاث ، أعني صورة الظنّ بالوفاق والخلاف وعدم الظن ، لصدق الترجيح بالمعنى الثاني ، أي كونه أقرب إلى الواقع وأبعد عن الخطأ فيها جميعا.
وإن بنى على الصغير المشروط بعدم الظن بالخلاف ، فارق الوجهين في البحث المذكور ، فلا يوافق الوجه الأول المبني على اعتبار حصول الظنّ كما هو واضح! ولا الوجه الثاني ؛ لأنّ مقتضاه الاعتماد على المرجح مطلقا ، ولو مع الظنّ بالخلاف ، ومقتضى كونه من النوعي الصغير عدم الاعتماد عليه.
فظهر ممّا ذكرنا وجه ما قلنا من مغايرة البحثين ؛ وإلى البحث الثاني أشار بعض الأجلّة حيث قال ـ بعد ذكر الأخبار ـ : هل التعويل على هذه الوجوه تعبدي ولو لإفادتها ظنّا مخصوصا أو دائر مدار حصول الظن المطلق بها حتى إنّه لو تجرّدت عن إفادته لم يعوّل عليها ، ولو وجد هناك مرجّح آخر أقوى عوّل عليه دونها؟ وجهان : من الاقتصار على ظاهر الأخبار ، ومن دلالتها بالفحوى على إناطة الترجيح بالظن ؛ انتهى.
ثمّ قال :
قلت : الترديد بين التعبد والظن إنّما يستقيم على مقالة من يقتصر على المنصوصات ، إذ بعد البناء عليه يكون الأمر كما ذكره من الوجهين ، وأمّا على مقالة الأكثر الذين منهم الفاضل المذكور من التعدي إلى جميع ما ذكره الأصحاب لا معنى لوجه التعبد ولا محصّل له ؛ لأنّ المتعبّد به لا بدّ أن يكون له عنوان معيّن ، وبعد البناء على التعدي يكون المناط هو صفة الظنّ ليس إلا ، كما هو غير خفي على من تأمّل! ونحن إنّما حررنا البحث الثاني مماشاة له لمن (١) تكلّم بمثله ، وإلا فاحتمال التعبد الراجع إلى النوعي الكبير والصغير (٢) غلط صرف لا يصدر ممّن له حظّ في العلم ، فتعيّن إناطة الترجيح بصفة الظنّ أو بالأقربيّة إلى الواقع حسبما شرحناه مفصّلا ؛
__________________
(١) في نسخة (د) : ولمن.
(٢) في نسخة (د) : أو الصغير.