الحكم كذا ، لا بمثل قوله افعل كذا كما لا يخفى!
بقي شيء لا بأس بالإشارة إليه ، وهو أنّ بعض الأفاضل (١) ذهب إلى أنّ التورية لا تخرج الكلام عن الكذبيّة إلا بناء على القول بالكلام (٢) النفسي ؛ الذي هو مذهب الأشاعرة ، وجعل هذا من ثمرات القول بالكلام النفسي مضافا إلى ثمرات أخرى من هذا القبيل ، كالقول بأنّ الطلب مغاير للإرادة ، وكالقول بأنّ البيع إنشاء تمليك عين ، فإنّهما لا يصحّان إلا على القول بالكلام النفسي ، وكوجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، والاستصحاب التعليقي ، والواجب المعلّق ، وأمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه ، ونحن نشير إلى ما ذكره في التورية ليكون أنموذجا للبقيّة فنقول :
ملخّص ما ذكره في بيان ذلك : أنّ الصدق والكذب من صفات الكلام ، والكلام هو اللفظ المستعمل في المعنى ، والاستعمال لا يتحقق إلا إذا كان الغرض التفهيم ، فمجرّد قصد المعنى من اللفظ من دون إرادة تفهيمه لا يعدّ استعمالا ، وحينئذ فنقول : إنّ المورّي لم يرد من اللفظ ظاهره الذي قصد تفهيمه ، وعلى فرضه يكون كذبا ، فمن هذه الحيثيّة لا يتصف كلامه بالصدق ، وأمّا بالنسبة إلى المعنى الذي أراده فحيث لم يرد تفهيمه لا يكون استعمالا ، فلا يكون لفظه كلاما ؛ ليتصف بالصدق ، غاية الأمر أنّه تصور في نفسه معنى وقضيّة معقولة ، فإن قلنا بالكلام النفسي نقول إنّ إدراك (٣) القضيّة المعقولة كلام نفسي صادق من جهة مطابقته للواقع ، وإن لم نقل
__________________
(١) قد أشار لهذا الأمر في حاشيته على المكاسب عند قول الماتن «من مقولة المعنى دون اللفظ» ، وذكر أنّ هذه الفاضل ـ ويقصد به الميرزا الرشتي ـ تكرر مبناه هذا في عدة مطالب وهي (قال) :
منها : أنّ ايجاب المقدمة قبل وجوب ذيها موقوف على الكلام النفسي.
منها : أنّ تصوير الواجب المعلق موقوف على الكلام النفسي.
منها : أنّ كون التورية خارجة عن حد الكذب موقوف على الكلام النفسي.
وقال : وقد ذكرنا بعض الكلام عليه في مسألة التعادل والترجيح في مقام التعرّض لوجوب التورية على الامام عليهالسلام عند التقيّة فراجع (يقصد به هذا الموضع من كتب التعارض) ، لكن الذي يترجح عندنا الآن هو كونه اسما للمعنى ؛ لما نرى من تفسير أكثر المحققين من الفقهاء وأهل اللغة إيّاه بالنقل الذي هو من المعاني ، وللتبادر ، وعدم صحة السلب.
(٢) لا توجد كلمة «الكلام» في نسخة (د).
(٣) كتب في نسخة (د) بدل كلمة «إدراك» كلمة «تلك».