بذلك فلا يكون هناك كلام صادق ، فإنّ (١) المفروض أنّ الكلام اللفظي ليس بمستعمل ، بل ليس بكلام ، والنفسي لا نقول به بالفرض ، وعلى الأول وإن كان صدق ذلك الكلام النفسي لا دخل له بالكلام اللفظي ، إلا أنّه يمكن تتميمه وتصحيحه بدعوى : أنّه يكفي في صدق الكلام اللفظي مقارنته لكلام نفسي صادق ؛ لأنّ الأشاعرة ذكروا أنّ صدق اللفظي وكذبه تابعان لصدق النفسي وكذبه ، وأنّهما لا ينفكّان ؛ فيثبت (٢) أن خروج الكلام بالتورية عن حدّ (٣) الكذب موقوف على الكلام النفسي ، وحيث إنّ هذا باطل على ما بيّن في محلّه فالتورية باطلة ، بل عند الاضطرار لا بدّ من الكذب ؛ إذ هو جائز عند الضرورة.
أقول :
أولا : لا نسلم أنّ الاستعمال لا يتحقق إلا إذا كان بقصد التفهيم ، وإلا لزم كون جميع الظواهر التي أريد خلافها لقرائن متأخّرة عن زمان الصدور ، بل عن زمان حياة المخاطب غلطا ، وليس كذلك قطعا ، مع أنّ مثل قولنا : الله أكبر أو سبحان الله ، ليس الغرض منه التفهيم ، وكذا قراءة القرآن ليس لأجل التفهيم وهكذا ...
وإمكان الجواب عن بعض هذه المذكورات لا يضرّ بأصل المطلب ، وهو منع توقّف الاستعمال على التفهيم ، كما هو واضح (٤) ، وعلى فرضه فلا يرد على القائلين (٥) بصحّة التورية إلا إيراد واحد وهو أنّ التورية غلط ؛ لأنّ إرادة المعنى من دون قصد التفهيم غير جائز ، وغير صحيح ، وخارج عن قواعد اللغة ، وأمّا ابتناؤه على الكلام النفسي فلا وجه له ، وليس نظر العلماء إليه أصلا وبالمرّة ، كيف؟ وكون القضيّة المعقولة صدقا لا دخل لها بكون الكلام ـ الذي هو غلط ، بل غير كلام ـ صدقا ، ومجرد المقارنة لا يصحّح ذلك ؛ بعد عدم إمكان إرادة هذا المعنى البعيد من اللفظ ، فهو نظير أن يقال كون هذا الكلام الذي يكون خارجا عن حدّ الصحّة ، بل عن
__________________
(١) في نسخة (د) : لأنّ.
(٢) في نسخة (ب) و (د) : فثبت.
(٣) لا توجد كلمة «حد» في نسخة (ب).
(٤) إلى هنا وتنتهي المقابلة مع النسخة (ب) ، وذلك لعدم تماميتها.
(٥) في نسخة (د) هكذا : فلا يرد على المشهور القائلين.