الاستعمال.
ثمّ إنّه بعد ما ذكر من أنّ صدق التورية مبني على أمر محال ؛ وهو الكلام النفسي حاول توجيه (١) الأخبار الظاهرة في أنّها خارجة عن الكذب ، وهي عدّة أخبار :
منها : ما عن مستطرفات السرائر (٢) عن كتاب ابن بكير قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يستأذن عليه يقول للجارية قولي ليس هو هاهنا؟ فقال لا بأس ليس بكذب».
وتقريب الاستدلال : أنّ الإمام عليهالسلام نفى الكذب عن قولها ذلك ، وهذا يدلّ على أنّ المشار إليه ب «هاهنا» موضع خاص من البيت ، فيكون من التورية.
ومنها : ما عن الاحتجاج (٣) أنّه سئل الصادق عليهالسلام عن قول الله تبارك وتعالى في قصة إبراهيم على نبيّنا وآله وعليهالسلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ)(٤) قال : ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم عليهالسلام ، قيل وكيف ذلك فقال : إنّما قال إبراهيم (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم».
وسئل عن قوله تعالى (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(٥) قال : إنّهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنّهم قالوا (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) ولم يقولوا سرقتم صواع الملك».
وسئل عليهالسلام عن قول الله عزوجل حكاية عن إبراهيم (إِنِّي سَقِيمٌ)(٦) قال : ما كان إبراهيم سقيما ، وما كذب ؛ إنّما عنى سقيما في دينه أي مرتادا» (٧).
ودلالة هذا الخبر في كمال الوضوح.
ومنها : ما عن معاني الأخبار (٨) عن داود بن فرقد قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام
__________________
(١) في النسخة المعتمدة : توجيح ؛ والصواب ما ذكرناه لمناسبة الكلام.
(٢) مستطرفات السرائر : ٣ / ٦٣٢ ، الوسائل : ١٤ / باب ١٤١ من أبواب أحكام العشرة ، حديث ٨.
(٣) الاحتجاج : ٢ / ١٠٥.
(٤) الأنبياء : ٦٣.
(٥) يوسف : ٧٠.
(٦) الصافات : ٨٩.
(٧) الاحتجاج : ٢ / ١٠٥.
(٨) معاني الأخبار : ١ / ١ ، الوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٧.