يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب» ، ودلالة هذا الخبر أيضا في تمام الوضوح.
قال الفاضل المذكور : أمّا الخبر الأول فلا دلالة فيه ؛ لأنّه ليس في الخبر إلا الحكم بنفي الكذب ، وهو محتمل لأن يكون نفيا لحكمه لا لموضوعه ، حتى يحتاج إلى التوجيه المذكور ، ويكون دليلا على نفي كون التورية كذبا.
قلت : هذا التوجيه له وجه ، وإن كان يمكن أن يقال إنّ ظاهر اللفظ نفي الموضوع لا نفي الحكم ، لا أنّ مثل هذه اللفظة كثيرا ما تستعمل في نفي الكمال والصحّة والحكم ونحوها .. ، ففي المقام محتمل للأخير.
قال : وأمّا الخبر الثاني فيمكن أن يقال إنّ التفاسير الواردة عن الإمام عليهالسلام جملة منها من باب أنّ الكلام كان محفوفا بقرينة حاليّة اختفت على غير المخاطبين فيبين (١) الإمام عليهالسلام المعنى الذي كان ظاهرا من اللفظ ، وإن لم يكن كذلك الآن من جهة خفاء القرينة ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا لا يعدّ من التورية.
وجملة منها من باب البطون ، وهي ليست من المستعمل فيه للفظ حقيقة فنقول :
إنّ تفسير الفقرة الأولى من باب الأول ؛ فالإمام عليهالسلام بيّن أنّ الآية كانت ظاهرة في المعنى فاختفت القرينة ، وتفسير الفقرتين الأخيرتين من باب البطون ، ولا دخل له بباب التورية.
قلت : لا يخفى أنّه لا يمكن حمل المقام على ما ذكره من خفاء القرينة الحاليّة ، ولا على البطون ، وذلك لأنّ المفروض أنّ إبراهيم أراد إخفاء الأمر على أعدائه من الكفّار فتكلم بهذا الكلام ، ومع وجود القرينة على المراد الواقعي لا يكون الأمر مختفيا ، وهو مناف لكونه في مقام التقيّة ، وإن أراد أنّ الآية حين صدورها كانت ظاهرة في هذا المعنى عند المخاطبين ـ كما هو ظاهر كلامه ـ فمن الواضح كونه أجنبيّا عن السؤال والجواب في الخبر ، وهذا من الواضحات ، وكذا لا يمكن حمل البيان المذكور من الإمام عليهالسلام على البطون ؛ لأنّ يوسف عليهالسلام أراد إخفاء الأمر على
__________________
(١) في نسخة (د) : فبيّن.