عمل مشهور الرواة أو العلماء على طبق أحد الخبرين من دون استناد إليه فلا يوجب كونه مشهور الرواية.
وعلى هذا فلا تكون الشهرة الفتوائيّة المجرّدة من المرجّحات المنصوصة ، وربّما تجعل منها بدعوى أنّ قوله عليهالسلام «خذ بما اشتهر بين أصحابك ..» تعليق للحكم على وصف الاشتهار المشعر بالعليّة (١) ، فيستفاد منه كفاية مطلق الشهرة في الترجيح ، وهذه الدعوى ضعيفة كدعوى أنّها داخلة في قوله عليهالسلام «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ..» بعد كون المراد من المجمع عليه : المشهور (٢) ؛ بقرينة قوله عليهالسلام «ما اشتهر ..» ، وبقرينة قوله «قلت يا سيدي إذا كان الخبران معا مشهورين ..» ، إذ فيه أنّ الظاهر أنّ المراد الخبر المجمع عليه لا مطلق المجمع عليه ، وإلا أفاد حجيّة الشهرة المجرّدة عن الخبر ؛ مع إنّه يمكن أن يكون المراد من المجمع عليه ظاهره ، ولا ينافيه فرض الشهرة في الخبرين معا ، لإمكان كون كل من الخبرين مجمعا على نقله.
لكنّ الإنصاف أنّ المراد أعمّ من المشهور والمجمع عليه ؛ لأنّ المراد من المشهور الواضح المعروف ، وهو يصدق بنقل جلّ الأصحاب له ، ولا يلزم فيه نقل كلّهم له فالأولى ما ذكرناه أولا من أنّ المراد من المجمع عليه الخبر المشهور لا كلّ مشهور كيف؟ ولو كان كذلك يلزم منه بعد كون المراد من نفي الريب نفيه بالإضافة إلى حجيّة كلّ شيء لا ريب فيه بالنسبة إلى ما فيه ريب ، فإذا كان في المسألة قولان أحدهما أبعد عن الريب من الآخر بجهة من الجهات ، يجب البناء عليه بمقتضى عموم العلّة ، وإن لم تكن شهرة فتوائيّة أيضا ، مع أنّه لا يلتزم به أحد ، فبناء على التعدي عن مورد العلّة ـ كما هو المختار ـ لا يمكن إرادة مطلق المشهور من المجمع عليه ، وهذا بخلاف ما لو أريد خصوص خبر كذلك ، فمقتضى التعدي حجيّة كل خبر يكون أبعد من الريب بالإضافة إلى الآخر ، ولا إشكال فيه.
__________________
(١) قد يقال : إنّ تعليق الحكم على وصف وإن كان يشعر بالعليّة ولكنّ العمدة تحقق الظهور فما لم يصل إلى درجة الظهور فلا اعتبار به ، نعم لو كان الوصف مذكورا في مقام التحديد استفيد منه المفهوم ، فافهم.
(٢) كما اختاره الوحيد في فوائده : الفائدة ٢١ ، ص ٢١٩.