الإجماع على عدم الاعتبار به ، كما لا يقدح فيه ما نقله في الرسالة (١) عن بعض السادة من الميل إليه (٢) ، ويؤيّد الإجماع على عدم الاعتبار به (٣) عدم ذكر الفقهاء له في مقام من المقامات في كتبهم الاستدلاليّة ، وأنّه لو كان معتبرا وجب تدوين الأصوليين له في كتبهم الأصوليّة ، وذكر شرائطه وأحكامه ؛ لكثرة الحاجة إليه في مقام علاج التعارض.
وكيف كان ؛ فلا تأمّل في سقوطه عن درجة الاعتبار لعدم الدليل ، بل الدليل على العدم من الإجماع والنواهي ، وما يقال من أنّ النهي إنّما هو من العمل به على أنّه دليل لا طراح أحد الخبرين به ، فإنّه في الحقيقة دفع للمزاحم ؛ فليس عملا به مدفوع بأنّ مقتضى النواهي عدم الاعتناء به أصلا ، كما هو ظاهر قوله عليهالسلام «إنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (٤) ، مع أنّ دفع المزاحم أيضا نوع عمل به ، إذ لا فرق في العمل بين أن يكون بجعله دليلا على الحكم أو الاعتماد عليه في دفع المزاحم للدليل (٥) ، مع أنّ دفع المزاحم في الحقيقة جزء لمقتضى العمل ، وهو الدليل ، ولعلّ ما ذكرنا وجه النظر في كلام المحقق حيث إنّه ـ بعد ما ذكر وجه الترجيح به ـ قال : «وفيه نظر!».
هذا ؛ ولا فرق فيما ذكرنا من عدم الاعتبار به بين أن يكون الدليل على التعدي عن المنصوصات ما ذكر من الإجماع وبناء العقلاء وفقرات الأخبار ، وبين أن يكون هو دليل الانسداد الجاري في خصوص باب التعارض ، وأنّه لو لا الرجوع إلى المرجّحات الظنيّة لزم الوقوع في مخالفة الواقع في غالب الوقائع ، وذلك لأنّ الحاكم بالترجيح بالظن وإن كان هو العقل الذي لا يفرق بين الأسباب ؛ إلا أنّ القياس خارج على هذا التقدير أيضا ، كما إنّه خارج عن دليل الانسداد الجاري في مطلق الأحكام.
وبالجملة : القياس غير معتبر ـ في باب الترجيح ـ بالإجماع والنصوص ، سواء كان الدليل على الترجيح هو العقل أو غيره ، وتوجيه خروجه عن حكم العقل كتوجيهه
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ / ٥٩٨.
(٢) هو السيد محمد المجاهد في كتابه مفاتيح الأصول : ٧١٦.
(٣) جاءت العبارة في نسخة (د) مختلفة بتقديم وتأخير عما في نسخة الأصل.
(٤) كمال الدين : ٣٢٤ حديث ٩ ، بحار الأنوار : ٢ / ٣٠٣ حديث ٤١.
(٥) لا توجد كلمة «للدليل» في نسخة (د).