دليل اجتهادي ناظر إلى الواقع ، بل يمكن تقوية السند والدلالة أيضا إذا كانتا ظنيين ، وما ذكره من أنّ الظن لا يحصل مع وجود الأمارة الشخصيّة في قباله كما ترى! خصوصا إذا كانت مطابقة له ، مع أنّك قد عرفت سابقا أنّه لا يعتبر حصول الظن الفعلي بالواقع من المرجح.
ثمّ إذا كانت المعارضة موجبة لعدم حصول الظن فينبغي عدم الترجيح فيما ذكره من فرض كون الخبرين أيضا من العام المفيد للظن من باب الغلبة ؛ لأنّ المدار عنده على حصول الظن الشخصي من المرجّح ، والخبر الآخر كما يعارض الخبر الأول كذا يعارض ذلك المرجح ، فلا يحصل منه الظن الفعلي ، وإن أراد أنّه قد يحصل منه الظن فقد يحصل من العام أيضا بالنسبة إلى الخاصين على وفق أحدهما.
وكيف كان ؛ فمورد النزاع في كلام العلماء هو الأصل العملي ، ويؤيد ذلك ـ وإن كان غير محتاج إلى التأييد لكمال وضوحه ـ أنّ بعضهم قدّم الخبر المخالف ، بل ربّما ينسب إلى المشهور ، ولا يمكن إسناد تقديم المخالف للأصل اللفظي على موافقة إلى أصاغر الطلبة فضلا عن مشهور العلماء ، فيعلم من ذلك أنّ مرادهم من الأصل الأصل العملي ، مع أنّهم ذكروا الترجيح بموافقة عموم الكتاب من غير خلاف ، إلا من الشيخ في الرسالة ـ على ما عرفت ـ مع أنّه من الأصل اللفظي.
وعلى أي حال فالحق عدم الترجيح بموافقة الأصل ، ولا بمخالفته :
أمّا الأول ؛ فلأنّ الأصل لا يكون في عرض الخبرين حتى يكون معاضدا لأحدهما ، فإنّه دليل حيث لا دليل ، والمفروض وجوده ، ولا يضر التردد بين كونه هذا الخبر أو ذاك ؛ بعد العلم بوجوب الأخذ بأحدهما إمّا معيّنا أو مخيرا ، نعم لا يضر في جريان الأصل وجود الدليل مع عدم إمكان الأخذ به والحكم بالتوقف أو التساقط ، فإنّه بمنزلة عدم الوجود ، فالمدار على وجوده في مقام الأخذ أو العمل ، وهو كذلك في مقامنا ، حيث إنّه يتعيّن الأخذ بأحدهما معيّنا أو مخيّرا ، مع أنّ المقصود جعله مرجّحا للخبر الموافق ، فمعناه الأخذ به وبالخبر ، وهو لا يجتمع مع الخبر في مقام الأخذ والاعتبار ، حتى يكون معاضدا له ومرجّحا له ، فلا يعقل الترجيح به ؛ بمقتضى ما ذكرنا.